قضايا ودراسات

التنافس الأمريكي- الصيني في التعليم الجامعي

غراهام اليسون*

تحقق الصين قفزات سريعة في ميدان التعليم الجامعي، خصوصاً في المجالات الأربعة التي يقوم عليها الاقتصاد الحديث: العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة والرياضيات، وقد بدأت تُحرز تفوقاً على سيدة هذا النشاط المعهودة: الولايات المتحدة.

في بوسطن، يكون موسم الافتتاح الجامعي وقتاً للاحتفال بجامعاتنا الرائدة في العالم، بما في ذلك صرح العلوم الهندسية الملهِم، «معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا». ولكن أهالي بوسطن، ربما يصابون بالصدمة، إذا علموا أن «جامعة تسينغهْوا» الصينية، قد أزاحت معهد ماساتشوستس عن العرش، باعتبارها أفضل جامعة للهندسة في العالم، في عام 2015، وفقاً للتصنيفات السنوية ل«تقرير أخبار الولايات المتحدة والعالم» التي تخضع لرقابة صارمة. وصعود جامعة تسينغهوا الأخير، ليس مثالاً معزولاً. فالجميع يعرفون عن صعود الصين، ولكن قلة يدركون حجم هذا الصعود وعواقبه.
من بين أرقى 10 كليات للهندسة في العالم، تملك كل من الصين والولايات المتحدة أربعاً. وفي موضوعات «العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة والرياضيات»، التي توفر الكفاءات الأساسية التي تقود ضروب التقدم في القطاعات الأسرع نمواً في الاقتصاد الحديث، تُخرِج الصين سنوياً من الطلاب أربعة أضعاف ما تخرجه الولايات المتحدة (1.3 مليوناً، مقابل 300 ألف). وفي كل عام من إدارة أوباما، مَنحت الجامعات الصينية شهادات دكتوراه في الحقول العلمية الأربعة السالفة الذكر، أكثر مما منحته الجامعات الأمريكية.
وبالنسبة إلى الأمريكيين الذين نشأوا في عالم تعني فيه «الولايات المتحدة الأمريكية» «رقم واحد»، فإن الفكرة التي تقول إن الصين يمكن أن تتحدى الولايات المتحدة حقاً، باعتبارها زعيمة التعليم في العالم، من المستحيل تصورها.
وليست هذه الحقيقة، الوحيدةَ التي يتجاهلها الأمريكيون عن عمد. في مقرَر الأمن القومي الذي أدرِّسه في جامعة هارفارد، تبدأ المحاضرة عن الصين بامتحان قصير. يأخذ الطلاب ورقة تحتوي على 25 مؤشراً للأداء الاقتصادي. وتكون مهمتهم أن يقدروا متى يمكن أن تتجاوز الصين الولايات المتحدة باعتبارها أكبر منتج، أو سوق للسيارات، والحواسيب الفائقة، والهواتف الذكية، وهلم جراً. ويصاب معظمهم بالذهول إذ يعرفون أن الصين تجاوزت الولايات المتحدة بالفعل، في كل من هذه المقاييس.
ثم أسأل بعد ذلك، عما إذا كان الطلاب يعتقدون أن الصين سوف تتجاوز الولايات المتحدة أثناء حياتهم، لتصبح أكبر اقتصاد في العالم. وفي الصف الذي درسته في العام الماضي، والذي كان يضم 60 طالباً، راهن نحو نصفهم على أنهم سوف يعيشون ليشهدوا الولايات المتحدة تصبح رقم اثنين، بينما لم يوافق نصفهم على ذلك.
وعندما أعرض على طلاب الصف عناوين أخبار رئيسية عن اجتماع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لعام 2014، التي تعلن أن الصين أصبحت أكبر اقتصاد في العالم، يكون رد فعل الطلاب مزيجاً من الفزع وعدم التصديق. وبحلول عام 2016، كان الناتج المحلي الإجمالي للصين، 21 تريليون دولار، والناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 18.5 تريليون، عند قياسهما بتعادل القوة الشرائية، التي يتفق كل من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وصندوق النقد الدولي، على أنها أفضل مقياس لمقارنة الاقتصادات الوطنية.
وليس الطلاب الوحيدين الذين لا يعرفون عن صعود الصين. فمعظم وسائل الإعلام، بالمثل، أغفلت المشهد الأوسع.. في حين أن اقتصاد الصين ينمو أسرع من الولايات المتحدة بثلاث مرات.
ولم يسبق لأمة من قبل أن صعدت بهذه السرعة الكبيرة، وهذه الأبعاد العديدة. فعندما تولى رونالد ريغان الرئاسة الأمريكية عام 1981، كان الاقتصاد الصيني 10% فقط من حجم الاقتصاد الأمريكي. وبحلول عام 2014، قفز إلى 100%، وهو يساوي اليوم 115%. وإذا استمر الاقتصادان الأمريكي والصيني في اتجاهاتهما الحالية في النمو، فسوف يكون الاقتصاد الصيني أكبر ب 50% عام 2023. وبحلول عام 2040، سيكون أكبر بثلاث مرات. والدولة التي لم تكن تظهر في جداول المنافسات بين الدول عام 1980، قفزت الآن إلى المركز الأول.
وقول الرئيس ترامب إننا «نخسر» لمصلحة الصين، يعبر جزئياً عن حقيقة التغير في وضع يشبه أرجوحة السيسو. فالصين الأكبر والأقوى، تتحدى المصالح الأمريكية في بحر الصين الجنوبي، وتشتري شركات أمريكية، وتحل محلنا في وضعية الشريك الأساسي، ليس لدول في جوارها فقط، بل كذلك في أوروبا، حيث أنزلت الصين الولايات المتحدة عن مقعد الشريك التجاري الأكبر لألمانيا.
وقد لقيت دعوة الرئيس ترامب إلى «جعل أمريكا عظيمة من جديد»، هوىً في نفوس الناخبين. فالرقم واحد، هو ما نحن عليه. ولكن الشعارات الجذابة سياسياً، ليست حلاً أمام الانبعاث المثير، لحضارة عمرها 5 آلاف عام، وعدد أفرادها 1.4 مليار نسمة، ويقودها رئيس مهمته هي «تجديد شباب» الصين، وبعبارة أخرى «جعل الصين عظيمة مرة أخرى». ومن أجل بناء استراتيجية كبرى لتحدي الصين، وحماية المصالح الأمريكية الحيوية من دون خوض صراع كارثي، يجب على صناع السياسة أن يبدؤوا بالاعتراف بهذه الحقائق غير المريحة، ولكنْ لا يمكن إنكارها.
* مدير مركز بيفر للعلوم والشؤون الدولية، في كلية كنيدي بجامعة هارفارد. موقع: صحيفة «بوسطن غلوب» (الأمريكية)


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى