قضايا ودراسات

التوطين.. مرة عاشرة

عبدالله السويجي

أطلّت مشكلة التوطين في دول مجلس التعاون بقوة، في مؤتمر الموارد البشرية الحكومي الذي عقد في أبوظبي الأسبوع الماضي، ودق الاختصاصيون ناقوس الخطر في ما يتعلق بالفجوة الحاصلة بين القوى العاملة المواطنة وتلك الوافدة. وفي إحدى الجلسات التي تحدث فيها علي جاسم، نائب المدير التنفيذي للخدمات المشتركة في مدينة دبي للإعلام، وفيصل الشنفري، المدير العام للخدمات المشتركة في شركة تسويق نفط عُمان، قال علي جاسم إن القوى العاملة غير المواطنة في دول مجلس التعاون تشكل 75% من مجمل العمالة. وجاء في التفاصيل أن القوى العاملة الوافدة في دولة الإمارات تشكل 91% من مجمل العمالة في العام 2018، ويتوقع المراقبون أن تنخفض العمالة المواطنة بحدة في السنوات المقبلة بسبب فشل عملية التوطين عبر العقود الثلاثة الماضية في القطاعين العام والخاص رغم إعطاء هذه المسألة أولوية من قبل الحكومة. وذكر أن نسبة المواطنين في القطاع الخاص وفق الإحصاءات الحكومية ظلت تراوح عند نسبة 2%، وتشكل 62% من مجمل الوظائف في الدولة، وزاد الباحثون عن عمل من 30 ألفاً في العام 2006 إلى 36 ألفاً في العام 2018.
ومن جانب آخر ذكرت التقارير أن نسبة الباحثين عن عمل بلغت 6.1% في دول مجلس التعاون، وفي التفاصيل بلغت النسبة في عُمان والبحرين 15%، وفي السعودية 11.8%، وفي الإمارات 4.2%، وفي الكويت 4.1% وفي قطر 1.5%، مع العلم أن عدد السكان في دول مجلس التعاون بلغ أكثر من 54 مليون نسمة في العام 2018، ومن المتوقع أن يزيد 12 مليوناً في العام 2030، الأمر الذي يتطلب إيجاد عشرات الآلاف من الوظائف.
هناك حقيقة يجب ألا نغفل عنها ونحن نتحدث عن نسبة القوى العاملة المواطنة ونقارنها بالوافدة، وهي أن نسبة النمو السكاني بين الوافدين أكثر بكثير منها بين المواطنين، ليس في موضوع الإنجاب والخصوبة، ولكن في موضوع عدد السكان، إذ تطلّبت المشاريع العملاقة والتوسع العمراني والصناعي والسياحي، جلب مئات الآلاف من العمال والموظفين غير المواطنين ليعملوا في تلك المنشآت، وبالتالي شكّلوا زيادة في عدد السكان صاحبها اتساع الفجوة في نسبة القوى العاملة المواطنة إلى العمالة الوافدة، ومن المتوقع أن يزداد عدد الوافدين في السنوات القادمة ربما ضعفي عدد المواطنين، وهذا سينعكس على المقارنة بين القوى العاملة بين المواطنين والوافدين، والعكس سيكون صحيحاً، فإذا أردنا تخفيض عدد السكان الوافدين والعمالة غير المواطنة، وردم الفجوة بين الاثنين فإن علينا وقف الكثير من المشاريع وقفاً تاماً، وبالتالي تتراجع الفجوة بين القوى العاملة المواطنة والوافدة.
ويجب الإشارة أيضاً إلى أن المشاريع التنموية ليست هي المسؤولة فقط عن الفجوة، فالإمارات أصبحت وجهة تعليمية وعلاجية للآلاف، بعد إنشاء عشرات الجامعات واستقبال آلاف الطلبة، وكذلك الأمر بعد إنشاء عشرات المستشفيات والعيادات التخصصية لتستقبل آلاف المرضى والباحثين عن علاج نوعي في الإمارات، الزيادة إذن لا تعود إلى المشاريع العمرانية فقط وإنما إلى المشاريع التعليمية والعلاجية والسياحية، وهذه الأخيرة لم يعد بالإمكان تجنبها، لأنها أصبحت من نسيج الاقتصاد الإماراتي، ومن غير المعقول إقفال الجامعات والمستشفيات والمراكز السياحية والمتاحف لنردم الفجوة في النسب والأعداد.
إن ما ذكرناه ينطبق أيضاً على القطاع الخاص، فهذا القطاع جزء رئيسي من عجلة التنمية، ويكاد يكون المسؤول عن الفجوة التي تحدّث عنها علي جاسم وفيصل الشنفري، وهي فجوة غير مضرة لأنها توظف عمالة وتوفر وظائف لا يؤديها المواطنون والمواطنات مثل العمل في البناء ومراكز التسوق والمطاعم والفنادق والمراكز السياحية والتمريضية.
لقد حققت مؤسسات ووزارات وهيئات حكومية كثيرة، نسبة توطين نوعية ومعقولة قياساً بعدد السكان، ولا نستطيع القول إن عملية التوطين فشلت، ولكن التوسع في المشاريع والمنشآت والسعي لتحقيق التنويع الاقتصادي بحيث لا يعتمد اقتصاد الإمارات على النفط فقط، هو الذي أدى إلى هذه النسب المتفاوتة التي وصفها البعض بالكارثية في العام 2030.
ورغم ذلك، فإن التفكير في زيادة نسبة المواطنين في القطاع الخاص أمر ضروري، وهناك خطط لمساعدة القطاع الخاص على استيعاب نسبة أكبر من المواطنين، لا سيّما أن قطاعات كثيرة مثل قطاع المال والبنوك يُنطر إليه على أنه متصل بالأمن القومي، ولا بد من وجود العنصر المواطن فيه.

suwaiji@emirates.net.ae

زر الذهاب إلى الأعلى