قضايا ودراسات

الثقافة الصينية تزدهر في الغرب

اليانور لوديري دي بياسي *
مع النهوض الاقتصادي الكبير الذي شهدته الصين في الآونة الأخيرة، تنتشر اللغة والثقافة الصينيتان في العالم الغربي، بريادة من إيطاليا، بلد الرحالة ماركو بولو، الذي عرّف الغرب على الثقافة الصينية، قبل قرون.

قيل الكثير عن تحول الصين من اقتصاد ريفي وراكد إلى حدٍّ كبير إلى قوة اقتصادية عالمية كبرى. ولم يؤدِّ هذا التحول إلى ازدهار ورخاء الشعب الصيني وحسب، بل عاد أيضاً بالنفع العميم على أمم أخرى كثيرة، وذلك بتوسيع التجارة الدولية والتعاون الاقتصادي والاستثمار.
ومع ذلك، أعطِيَ اهتمام أقلّ بكثير للإثراء الثقافي الذي جلبته الصين للعالم، مع التزايد المستمر في عدد الشباب- ولا سيّما في أمريكا وأوروبا – الذين يدرسون لغة الماندرين في المدارس ويختارون الدراسات الصينية في التعليم العالي، مما يجعل اللغة الصينية ذات أهمية متزايدة في الثقافة العالمية.
ويعجب المرء الآن، كيف أن مثل هذه الثقافة الرفيعة والثرية، نادراً ما حظيت بالاهتمام عبر آلاف السنين. وبطبيعة الحال، وبعيداً عن العزلة الذاتية التي فرضتها الصين الامبراطورية على نفسها، كانت هنالك أسباب مقنعة مثل المسافة الجغرافية والحواجز الطبيعية التي فصلت الصين عن الغرب و«حمتها» منه.
وكانت هنالك استثناءات قليلة، اثنان منها تركا علامة لا تُمحى في تاريخ العلاقات بين الثقافتين الغربية والصينية. الأولى هي الرحالة الشهير، ماركو بولو، وهو تاجر من مدينة البندقية، سافر إلى الصين في القرن الثالث عشر، وكتب كتاباً شهيراً، كان أول ما عَرّف الغرب على الحضارة الصينية.
وكان الثاني، ماتيو ريتشي، وهو كاهن كاثوليكي ذو ثقافة عالية، قضى نصف حياته في الصين قبل أربعة قرون، وأصبح عالماً في الحضارة الصينية، ورائداً للحوار بين الثقافتين الصينية والغربية.
كان كلاهما إيطاليّاً، وتعتبَر إيطاليا اليوم إحدى الدول الأوروبية الرئيسية التي تشهد دراسة لغة الماندرين في مدارسها الثانوية نموّاً سريعاً. ويجري دمجها في المنهاج الوطني ونظام الامتحانات الوطني. ومن أجل الحصول على شهادة الدراسة الثانوية، يترتب على طلاب اللغة الصينية أن يجتازوا اختباراً في اللغة الصينية المكتوبة والشفوية وكذلك في التاريخ الصيني.
ويجري الآن تقديم مساقات دراسية في الدراسات الصينية لطلاب الشهادة الجامعية الأولى، وطلاب الدراسات العليا، من قِبل أربع من مؤسسات التعليم العالي الإيطالية- جامعة ميلانو، وجامعة تشا فوسكاري في البندقية، وجامعة سابينزا في روما، وجامعة أورينتال نابولي؛ ومع ذلك، يُتوقع أن يحذو مزيد من الجامعات حذوها.
ويحظى ازدهار الدراسات الصينية بدعم من قِبل منظمة ثقافية كبيرة تدعى انتركولتورا، التي تقدم للطلاب فرصة قضاء سنة دراسية كاملة في الصين، أو فترات دراسية أقصر في الصيف. ويزداد عدد الطلبات كل عام، وقد أصبحت الصين الآن الوجهة الرئيسية الثانية بعد الولايات المتحدة لبرامج تبادل الطلاب.
وتقوم الصين من جانبها، بتعزيز هذا الاتجاه من خلال برنامج معهد كونفوشيوس الذي يشرف عليه المقرّ الرئيسي للمعهد.
وقد تمّ افتتاح أحد عشر فرعاً لمعهد كونفوشيوس، بالتعاون مع المؤسسات التعليمية التابعة للجامعات المحلية. ويتشارك برنامج الدراسة في صفوف معهد كونفوشيوس ذات الصلة، مع المدارس الثانوية أو الكليات المحلية لتوفير المعلمين ومواد المصادر.
ويكمل هذا الدعم للدراسات الصينية في الخارج، استراتيجية «التنمية السلمية» الصينية، ونموذج «توافق بكين»،وهو مفهوم للتعاون الاقتصادي والثقافي، يقوم على نهج «مُربح للجانبين».
والصين، بفضل قوة صعودها، باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وأكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، تقوم الآن بمشروع ضخم يهدف إلى إنشاء شبكة عالمية من الطرق البرية والبحرية التي تصل إلى أوروبا عبر آسيا وأجزاء أخرى من العالم أيضاً.
ومبادرة الحزام والطريق مستلهمة من طريق الحرير القديم، الذي سلكه ماركو بولو قبل ثمانية قرون، والذي تحرص إيطاليا، باعتبارها محطة طبيعية وتاريخية أوروبية للمشروع، على أن تكون جزءاً منه. وكون إيطاليا الدولة الأوروبية الرئيسية الوحيدة التي أرسلت رئيس حكومتها، باولو جنتيلوني، لحضور منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي في بكين في 14-15 مايو/ أيار، يدلّ على تصميمها على قيادة الاتحاد الأوروبي نحو أشكال ملموسة من التعاون.
* عالمة متخصصة في دراسات اللغة والثقافة الصينيّتين من جامعة «كافوسكاري وملبورن» في أستراليا. موقع: «تشاينا دوت أورغ»

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى