قضايا ودراسات

الجفاف يفاقم بؤس الصومال

جارود ليبر *
يعاني الصومال حالياً من موجة جفاف حادة مستمرة منذ أكثر من سنتين وتفاقمها الأوضاع الأمنية المضطربة في هذا البلد الواقع في شرق إفريقيا.

إن تعرض هذا البلد الزراعي والمتخلف، والذي يفتقر أصلاً لنظام صحي، لمثل هذا الجفاف الحاد إنما يزيد من تعقيدات مشكلاته المتعلقة بإنتاج الغذاء، وانتشار سوء التغذية، وتفشي أمراض جرثومية مثل الكوليرا.
وفي الواقع، يعلن الصومال حاليا عن ظهور 200 – 300 حالة كوليرا يومياً. وهذا مرض قابل للعلاج، ولكن وكالات ومنظمات المساعدات الإنسانية تجد صعوبة في الوصول إلى الصوماليين المتأثرين بهذا الوباء، لأن المناطق الأكثر تأثراً بانتشار الكوليرا تقع في الجزء الجنوبي من البلاد – الخاضع لسيطرة تنظيم «الشباب». وهذا التنظيم هو ميليشيا إسلامية متطرفة ظهرت إلى الوجود رداً على العمليات السرية الأمريكية في البلاد، وكذلك رداً على الغزو الإثيوبي المدعوم من أمريكا للصومال في 2006.
وكما هي الحال بالنسبة لجميع القرارات السياسية، تظهر دائماً نتائج غير متوقعة وغير مقصودة. والسياسة الأمريكية تجاه الصومال شكلت الحافز لظهور تنظيم الشباب، الذي تفاقم أعماله العنيفة الأزمة الإنسانية التي أودت بأرواح 500 صومالي حتى الآن خلال هذا العام.
وفي أوائل سنوات الألفين، كان الصومال تحت حكم مجموعات من أمراء حرب دعمتهم الولايات المتحدة بشرط أن يستهدفوا العناصر الإرهابية التي كانت تجد في الصومال ملاذاً. ولكن بسبب عنف وتجاوزات أمراء الحرب، اتحدت مجموعة من الميليشيات المستقلة لتشكل «اتحاد المحاكم الإسلامية» الذي شكل حكومة سيطرت على معظم مناطق الصومال، بما فيها العاصمة مقديشو.
وبسبب التوجه الإسلامي لاتحاد المحاكم الإسلامية، اعتبرت إدارة الرئيس جورج بوش هذه المجموعة تابعة لتنظيم «القاعدة». وعلى هذا الأساس، شنت الولايات المتحدة حرباً بالوكالة، حيث رعت الغزو الإثيوبي الذي أسقط حكم اتحاد المحاكم الإسلامية. وما تبقى من هذا الاتحاد أصبح تنظيم «الشباب» الجهادي الذي قدم نفسه على أنه «طليعة النضال ضد الاحتلال الأجنبي».
وعلى الرغم من طرد «الشباب» من المدن، إلا أن هذا التنظيم لا يزال يسيطر على عدد من المناطق الريفية – معظمها هو الأكثر تأثراً بموجة الجفاف الحالية التي تهدد العديد من الصوماليين. ويتحفظ «الشباب» إزاء التعاون مع المنظمات الإنسانية، وفي بعض الحالات يمنعها كلياً من دخول مناطقه.
وحتى إذا هطلت أمطار في وقت قريب على المناطق المتأثرة بالجفاف، فإن عودة نمو النباتات وتجميع المواشي سيحتاجان إلى وقت. وكذلك هي الحال بالنسبة لبناء نظام صحي. وموجة الجفاف الحالية أثرت في نحو 6 ملايين شخص، في حين توقعت منظمة الصحة العالمية أن يرتفع عدد الإصابات بالكوليرا إلى 50 ألف حالة بنهاية الصيف المقبل.
وكل ذلك يعني أنه حتى إذا بدلت الولايات المتحدة مقاربتها للصومال والحرب على الإرهاب، فإن هذا لن يساعد الصومال كثيرا. فهذا البلد لا يزال يفتقر إلى مؤسسات حكم ثابتة، كما أن المساعدات الدولية تواجه دائماً مشكلة الفساد. ومع أن حكومة «اتحاد المحاكم الإسلامية» كانت قد بدأت تحقق استقراراً وسلاماً نسبيين ( لفترة قصيرة )، إلا أن حكمها كان قمعياً. وعندما بلغ تنظيم «الشباب» ذروة سيطرته، كانت الأوضاع في الصومال تتفاقم وتزداد تعقيدا.
ولكن هذا لا يعفي الولايات المتحدة من المسؤولية عن الأوضاع الحالية المتدهورة. والولايات المتحدة لا يمكنها أن تنكر – ويجب ألا تنكر – دورها في ظهور ميليشيا الشباب.
وكما أن العراق عانى من الحرب الأهلية، وليبيا ابتليت بتمدد تنظيم «داعش» إلى أراضيها، فإن الصومال هو أيضاً مثال للنتائج الوخيمة لسياسة خارجية أمريكية اعتمدت المقاربة العسكرية. ولكن الأوضاع في الصومال بلغت الآن مستوى خطيراً من التدهور – ومجموعة الشباب تتحمل المسؤولية الأكبر عن معاناة الناس الأبرياء من البؤس والجوع والمرض.
* أكاديمي أمريكي يترأس «معهد الدراسات الإنسانية»، وهو منظمة إنسانية لا تسعى للربح – موقع «كاونتر بانش»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى