الحرباء
نور المحمود
نضجنا سريعاً. تطوُّر العصر قادنا إلى الكثير من المتغيرات التي لم يعرفها أهلنا، ولم نعشها في صغرنا. الذكاء الاصطناعي، العالم التكنولوجي، سرعة التواصل بين شعوب العالم وسرعة وصول أي خبر، وإمكانية كشف الحقائق وتصويرها مباشرة.. أمور جعلتنا ننضج كثيراً، نعرف خبايا كانت تبقى سرية في غرف مغلقة. حتى «الغرف السياسية» لم تعد مغلقة، ونحن لم نعد «الجمهور الذي يصفق ولا يفهم شيئاً».
النضج لا يعني أننا لا نتعرض للخداع، أو أننا لا ننقاد خلف «المخادعين» أحياناً، قبل أن نكتشف حقيقتهم. فالتزييف يجد طريقه أيضاً وسط عالم التواصل هذا، حيث أصبح شغل البعض وتخصصه «التضليل الإلكتروني»، والتسلل إلى العقول بأقنعة مزيفة، وبقوالب جميلة وأفكار مغرية، كي يسقط المتلقي في فخ المخادع، وينساق خلفه بسهولة.
الاختلاف اليوم، أن طبيعة تعاملنا مع الأمور تغيرت، بتنا على استعداد للمشاركة في إبداء الرأي، والمساهمة في نشر الحقائق، شرط أن نكون على قدر عال من الوعي بما يدور حولنا، ونقرأ بحكمة كل الوقائع، نربطها ببعضها البعض، ولدينا الاستعداد الكافي لنسمع ونحلل ونفهم ثم نقرر.
خذ مثلاً قصتنا مع قناة «الجزيرة» كيف انطلقت قبل أعوام فأبهرتنا، صفقنا لها، صدقناها، إلى أن بدأت تتساقط الأوراق الملونة الجميلة التي كانت تغلف نفسها بها. عندها عرفنا اللعبة، وفهمنا أن القناة «حرباء» تلونت، تجملت، حتى تسللت إلى كل البيوت، حيث أطلقت سهامها، لتغسل العقول وتقود المنطقة بأكملها نحو أتون الحرب والتفتت. اليوم صرنا أقرب إلى إسقاط الأقنعة مما كنا عليه قبل أعوام قليلة.
كثر يتلونون ويزحفون ويتسلقون ويتسللون من أجل الوصول إلى مآربهم، ويدخلون في أثواب من يحتمون في ظله، ليأخذوا شكلاً غير شكلهم الحقيقي. و«الحرباء» يمكنها أن تكون دولة، مثل «جارة إيران» التي تحدث عنها الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، في منتدى الإعلام الإماراتي. ويمكن أن تكون الحرباء تنظيماً يتظاهر بالبؤس ويفتعل المشاكل كي يبدو للعالم بأنه مقهور ومظلوم، ويسرع للاستنجاد بمنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية ليحصل على أي لجوء سياسي في الخارج، والحرباء قد تكون توصيفاً للبعض ممن يصير مدافعاً عن «نبذ العنصرية»، بينما هو يدس السم في أطباق أهل بلده. وآخرون يفصلون جمعيات على مقاس أغراضهم الخبيثة، ويمنحونها زياً إنسانياً لنصدقها ونتعاطف معها.
التزييف والتضليل موجود بكثرة، لكن أجهزة كشف الحقائق أصبحت بين أيدينا، وما علينا سوى تتبع الإشارات، وقراءة الوقائع والأبعاد دون غشاوة على الأعين، كي نكشف الأقنعة ونشير إلى كل حرباء بالأصابع، وعلى مرأى من كل وسائل التواصل.
noorlmahmoud17@gmail.com