قضايا ودراسات

الخليل وشقيقتها القدس

مفتاح شعيب
تحدّت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو) الكيان الصهيوني، مرة أخرى، وأدرجت البلدة القديمة في الخليل بما فيها الحرم الإبراهيمي الشريف ضمن التراث الإنساني وموقعاً «يتمتع بقيمة عالمية استثنائية»، وهو قرار مفعم بالرمزية والدلالات، وجاء في أوج المعركة الفلسطينية ضد مشاريع التهويد المحمومة، وقد أصاب الكيان وحكومته بصدمة مضاعفة لفشله في إحباطه أولاً، وثانياً لانتصار المجتمع الدولي للحق الفلسطيني.
بالعودة إلى القرار السابق، الذي اتخذته لجنة التراث العالمي في «يونيسكو» في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي وأبطل أي سيادة للكيان على القدس القديمة والمسجد الأقصى، كان القرار الجديد مثبتاً للأول ليجمع بين القدس وشقيقتها الخليل كمدينتين فلسطينيتين لهما مكانة خاصة لدى مئات الملايين من البشر لاحتوائهما مقدسات إسلامية تعمل مخططات الاستيطان والتهويد على محوها وتزويرها، ولكن التاريخ انتصر في الأخير بوقوف الدول الأعضاء في لجنة التراث الأممية مع ضمائرهم، وفشلت مع غالبيتهم كل الممارسات والضغوط والمساومات التي انتهجتها حكومة الاحتلال، وكانت تتوهم أنها قادرة على إحباط القرار، وانعكس ذلك في رد فعلها الأولي على انتصار الخليل، عندما اعتبرت أن المنظمة الدولية «لا أهمية لها» ولم تتورع عن اتهامها «معادية للسامية»، وهو المشجب الذي تستخدمه الصهيونية دائماً للتنكر لمبادئ القانون الدولي واستحقاقاته. ومع التأكيد على أن حكومة الاحتلال ستعمل على تجاهل القرار الجديد والاستخفاف به، إلا أن وصمة العار ستلحق بها وحدها وستظل مدانة وملاحقة حتى ترضخ وتنصاع لإرادة المجتمع الدولي والشعب الفلسطيني الذي ما زال حياً يقاوم ولن يفرط في ذرة من ترابه الوطني في كل فلسطين بلا نقصان، مهما استكبر الصهاينة وطغى الخذلان.
مثلما أنصفت «يونيسكو» القدس وبعدها الخليل، هناك أماكن دينية تحظى بالقداسة لدى المسلمين والمسيحيين تتعرض للاعتداءات مثل قبر سيدنا يوسف في نابلس، وهي أماكن تنتظر الإنصاف والعدالة حتى لا تظل مداساً للمستوطنين والمتطرفين اليهود. وبعد الوقفتين الأمميتين، لن يكون هناك شيء مستبعداً، وستكون الطريق مفتوحة أمام الدبلوماسية الفلسطينية لكسب المعارك المقبلة. فبعد الأمس لن تكون الخليل مثل القدس شأناً فلسطينياً أو إسلامياً فحسب، بل أصبحت شأناً عالمياً بما يفرض على جميع الدول احترامها وحمايتها والمحافظة على خصوصيتها، وبالمقابل على الشعب الفلسطيني أن يستمر في المقاومة مدعوماً بالشرعية الدولية، وقد وضع بين يديه عدداً من الوسائل الثمينة مثل قراري «يونيسكو» وقرار مجلس الأمن 2234، ومقررات مؤتمر باريس للسلام، وكل هذه القرارات تحققت في أقل من تسعة أشهر بما يسمح بولادة جديدة للقضية الفلسطينية لتخرج إلى العالم مجدداً معززة بالاعتراف والتعاطف اللازمين لمقارعة الصهاينة ومشروعهم الخبيث، وقطعاً ستستوجب المعركة الكثير من الجهد والصبر، فالكيان الغاصب سيعمد إلى الاحتماء ببعض حلفائه الأقوياء للهروب من الملاحقة والمطالبة بالامتثال، ولكن التغيرات تؤكد أن غالبية دول العالم باتت تستحي من الدفاع عن نظام عنصري متمرد على القانون والأخلاق، فهذا الكيان أصبح يتلقى الصفعات الدولية من كل الجهات، وآخرها كان في اجتماع «يونيسكو» عندما طلبت سفيرة كوبا دولسي ماريا بورجر من جميع الحاضرين، بمن فيهم السفير الصهيوني، الوقوف دقيقة حداد على أرواح شهداء فلسطين، ومحصلة الواقعة، أنه مثلما انصاع هذا السفير للإرادة الدولية الجماعية سينصاع كيانه يوماً للحق الفلسطيني طال الزمان أم قصر.

chouaibmeftah@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى