قضايا ودراسات

الروهينجا.. من ديزموند توتو إلى أونغ سان سو

وسط الغضبة الإنسانية العارمة إزاء محنة أقلية الروهينجا المسلمة في ميانمار (بورما)، تبرز الحيرة من الغموض، الذي يكتنف أسباب الاضطهاد الذي يطال أفراد هذه الأقلية الفارين، بالآلاف، كأفراخ نعام مذعورة، إلى خارج البلاد، تقذف بهم تايلاند إلى البحر، وتضيق بهم بنجلاديش رغم كل الأواصر، نيران الرشاشات خلف الظهور، ورعب الألغام تحت الأقدام، بينما يغلق المجلس العسكري الحاكم أذنيه عن احتجاجات العالم كله، ويواصل تشبثه بالسلطة، وبالمسؤولية عن الحريات المتدنية، والإفلات من العقاب، واكتظاظ السجون بالمعارضين، وغيرها من مظاهر التعسف الشمولي.
لكن هذا التعسف يتجاوز، بالنسبة للروهينجا، الانتهاكات العادية لحقوق الإنسان؛ ليبلغ حد (الإبادة الجماعية). فقد كشف آخر إحصاء عن تراجع نسبة المسلمين من 3.9% إلى 2.3%!
أونغ سان سو كي زعيمة معارضة سابقة، ومستشارة الدولة (رئيسة الوزراء)، حالياً، بموجب إصلاحات جزئية أجراها النظام.
في 1969 حصلت على بكالوريوس الاقتصاد والسياسة من أوكسفورد. وفي 1985 حصلت على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة لندن. وعادت إلى بورما عام 1988؛ حيث قادت الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية، أهم قوى المعارضة، فوضعت، منذ 1989م، قيد الإقامة الجبرية.
في 1990 نالت جائزة «سخاروف لحرية الفكر»، وفي 1991م جائزة «نوبل للسلام»، وفي 1992 جائزة «نهرو» من الهند، وميدالية الكونجرس الأمريكي الذهبية، وعدداً من الجوائز العالمية لحرية الفكر.
غير أن كل ذلك التقدير انقلب، الآن، إلى الضد! فبسبب الروهينجا دعت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) لجنة «نوبل» لسحب جائزتها من أونغ. وتكاد الحملات لا تهدأ على مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث ينقم الكثيرون منها صمتها الذي فسروه بتأييد قمع الروهينجا!
من أبرز الذين آلمهم هذا الصمت ديزموند توتو القس الجنوب إفريقي، والناشط العالمي الحائز، في 1984م، جائزة «نوبل للسلام»، وفي 1986 جائزة «البرت شويزير» (جائزة الحرية)، وفي 2007 «جائزة غاندي».
حصل توتو على إجازة في اللاهوت من الكينغز كولج بلندن في 1966م، وتولى تدريس اللاهوت بجامعة فورت هار، قبل أن يعود في 1972 إلى بريطانيا نائباً لرئيس صندوق التعليم الديني بمجلس الكنائس العالمي، وفي 1976 أصبح أسقفاً بمملكة لوسوتو التابعة لجنوب إفريقيا، ثم أصبح، في 1978، أول رئيس أسود لمجلس الكنائس بجنوب إفريقيا.
في السبعينات انضم توتو إلى (حركة الوعي الأسود)؛ لكنه ظل يعارض (الأبرتهايد)، مثلما يعارض التعامل الانتقامي. وفي 1995 ترأس (لجنة الحقيقة والمصالحة) التي شكلها الرئيس مانديلا، فأفضت إلى المصالحة الوطنية، ثم أسس مع البروفيسور بورين المركز العالمي للعدالة الانتقالية بنيويورك.
في السابع من سبتمبر/أيلول الجاري تداول الإعلام العالمي رسالة توتو المؤثرة إلى أونغ، التي قال، في مفتتحها، إنه، برغم شيخوخته، وتقاعده، اضطر لأن يعود للاهتمام بالقضايا العامة؛ بسبب حزنه العميق لما يعانيه الروهينجا. وقال إن أونغ بالنسبة له بمثابة الأخت الحبيبة؛ حيث ظل يحتفظ على منضدة مكتبه بصورة لها تذكره بما قاست بسبب حبها لشعبها، والتزامها بقضاياه، وتضحياتها في سبيله، حتى صارت رمزاً للاستقامة الأخلاقية. وقال: إن ظهورها في الحياة العامة أنعش الآمال بقرب انتهاء العنف ضد الروهينجا، لولا أن ظاهرة (التطهير العرقي)، أو (الإبادة الجماعية البطيئة)، قد تفاقمت، وتسارعت، وأضحى تخيل البطش الذي يعانيه الروهينجا سبباً للرعب والفزع.
استطرد توتو قائلاً: «إننا متأكدون من إدراكك لكون البشر قد يبدون، أو حتى يتعبدون، بشكل مختلف، وقد تكون لدى بعضهم أسلحة أقوى مما لدى غيرهم، ومع ذلك ليس فينا من هو أعلى أو من هو أدنى. وحين ننفذ إلى ما تحت سطح القشرة الخارجية، فإننا نكتشف كم نحن متساوون، أبناء عائلة واحدة، عائلة الإنسانية، دون أي فوارق بين بوذيين ومسلمين؛ وسواء كنا يهوداً أو هندوساً، مسيحيين أو ملحدين، فلقد ولدنا لنتحاب بلا أي أحكام مسبقة. إن التفرقة لا تقع بشكل طبيعي، وإنما بالتعلم».
وأردف قائلاً، بكل ما في الصراحة من استقامة: «إذا كان صمتك هو ثمن لارتقائك إلى أعلى المناصب، فإنه لثمن ينحدر بك إلى أسفل سافلين. إن البلاد غير المتصالحة مع ذاتها، التي تعجز عن تقدير كرامة أبناء شعبها، واحترام قيمهم أجمعين، لا يمكن أن تكون بلاداً حرة قط. وإنه لمن المستغرب، حقاً، أن يتزعم بلاداً كهذه من يعد من رموز الاستقامة. إن هذا لمما يضاعف من ألمنا».
وختم رسالته بقوله: «والآن، بينما تتجلى مشاهد الرعب اليومية أمام أعيننا، فإننا نصلي من أجل أن تستعيدي شجاعتك، وتستردي جرأتك، وتطلقي، مجدداً، نداءك الجهير للعدل، وحقوق الإنسان، ووحدة شعبك؛ نصلي من أجل أن نراك تتصدين، كما كنت دائماً، لوضع حد لهذه المحنة المتصاعدة، ومن أجل أن يصطف، خلف قيادتك، مرة أخرى، أبناء وبنات شعبك، في المسيرة القديمة القاصدة على طريق النزاهة والاستقامة. إنني أسأل الرب لك التوفيق، مع محبتي».

كمال الجزولي
kgizouli@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى