قضايا ودراسات

الصين تتصدر العالم في الطاقة المتجددة

في تطور كان من شأنه أن يُدهش أصدقاء البيئة قبل عقد من الزمن، ويسعدهم أيضاً، صعدت الصين لتصبح رائدة العالم في الطاقة المتجددة. فمن المسلّم به أن الصين لا تزال أعلى ملوِّث بغاز ثاني أكسيد الكربون في العالم (تليها الولايات المتحدة، روسيا والهند).
ومع ذلك، فإن ما يجعل الصين مختلفة عن الدول الملوِّثة بدرجة عالية، هو أن الصين لم تضع فقط أهدافاً لمكافحة التلوّث، وللطاقة المتجددة- بل هي ماضية في تحقيقها. وبينما يبدو أن الدول الأخرى لا تفعل أكثر من بذل جهود رمزية لخفض الانبعاثات، فإن الصين بذلت جهوداً واستثمارات ضخمة في تحسين مؤهلاتها الخضراء- وهي تحرز نجاحاً.
وهذا يتناقض بصورة مباشرة مع الملوِّثين الرئيسيين الآخرين، الذين يعودون إلى الوقود الأحفوري بإفراط فيما يبدو.
كثيرون في أنحاء العالم، عندما يُطلبُ منهم أن يفكروا بمدينة ملوّثة، تقفز إلى أذهانهم صورة مدينة بكين الغارقة في الدخان. وفي التصوّر الأجنبي، تشكل المدن الصينية حفراً ملوثة تعصف بها دوّامات الدخان. وتنبعث منها رائحة أبخرة عوادم السيارات، ولا يمكن المجازفة بدخولها دون إمداد بالأكسجين.
ولم يفعل الاتجاه نحو ارتداء أقنعة على الوجه في الصين إلاّ القليل في تبديد تلك الفكرة. وبكل إنصاف، نقول إن بكين، وغيرها من المراكز الحضرية الصينية الأخرى، تعاني مشكلة فعلاً مع تلوّث الهواء. ولكنها تتحسن – لسبب رئيسي هو عزم الحكومة الصينية القوي على تنقية الهواء في البلاد.
وبعد إعلان «الحرب على التلوّث» عام 2014، اتبعت الحكومة سياسة حازمة لتشديد الإجراءات على الملوِّثين، وتحسين البنية التحتية للطاقة المتجددة. وتشمل التدابير الهادفة إلى الحدّ من التلوّث:
– غرامات على أساليب البناء «القذرة».
– غرامات على المشاريع الملوِّثة.
– إجراءات صارمة لمكافحة التلوث.
– عمليات تفتيش متكررة لمواقع البناء والمشاريع التجارية، والتحقق من مراعاة إجراءات مكافحة التلوث.
– إعطاء صلاحيات أكبر للمسؤولين عن حماية البيئة.
– زيادة ميزانية حماية البيئة بنسبة 23%.
– حملة تقودها الحكومة للتحول نحو أشكال الطاقة المتجددة.
وفي جوهر الأمر، أن الحكومة الصينية- على حدّ تعبير صحيفة «الجارديان» البريطانية- أعطت حماة البيئة «أسناناً»، وهم يستعملونها ويحققون تأثيراً ملحوظاً. إن هواء الصين يتحسّن، ومستويات التلوث فيها تهبط بسرعة، والانبعاثات تقل بشدة، وقد ارتقت الدولة إلى مرتبة رائدة العالم، في ما يتعلق بأشكال الطاقة المتجددة.
وفي الوقت ذاته، تبدي الدولتان الملوِّثتان الرئيسيتان الأخريان- الولايات المتحدة وروسيا- تحمّساً للوقود الأحفوري، مما يثير القلق الشديد لدى البعض، ولا سيّما أن تحمّسهما يؤثر على بقية العالم.
وفي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، كانت سهولة تبنّي المستهلكين لشركات توريد الطاقة المتجددة تزداد شيئاً فشيئاً. ولكن الضغط من روسيا والولايات المتحدة لشراء وقودهما الأحفوري كجزء من الاتفاقات التجارية، شهد تضاؤل التزام المملكة المتحدة بالطاقة المتجددة. وهنالك أنماط مماثلة تحدث في أماكن أخرى.
وتستطيع الولايات المتحدة أن تمارس ضغوطاً كبيرة على الأسواق العالمية.. ولكن الغالبية العظمى من العلماء في جميع أنحاء العالم، لا تتفق مع رأي إدارة ترامب الذي يقول إن تغير المناخ لا وجود له، وهم يشعرون بقلق عميق إزاء الضرر المتزايد الذي يلحق بالبيئة الهشة جرّاء استمرار انبعاثات الوقود الأحفوري.
فماذا يعني كل ذلك، على نطاق بيئي عالمي؟ الصين، كما ذكرنا، أكبر ملوِّث في العالم. وكون الصين تتخذ إجراءات جادة للتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، وخفض انبعاثاتها، يشكل علامة إيجابية كبيرة، من وجهة النظر البيئية.
ولكن، إذا كانت ثانية كبرى الدول الملوِّثة في العالم – وهي الولايات المتحدة – (وبالتالي جميع الدول الواقعة ضمن نطاق نفوذها التجاري) تزيد انبعاثاتها، فثمة خطر من «موازنة الأمر» ببساطة، واستمرار معدلات الانبعاث العالمي في مستوياتها القاتلة الحالية.
ولكن، مع تزايد اضطراب الوضع السياسي والاقتصادي في العديد من المناطق الأخرى في العالم، فإن النفوذ الصيني (السياسي والاقتصادي) يتنامى بقدر هائل. فإذا استطاعت الصين
توسيع «حربها على التلوّث» إلى ما وراء حدودها، والتأثير على دول أخرى للتحول نحو الطاقة المتجددة، كما فعلت هي، فقد يكون ثمة أمل للبيئة حتى الآن.
جيما ييتس *
* صحفية مستقلة. موقع: «تشاينا دوت اورغ»Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى