قضايا ودراسات

«القاعدة» في اليمن.. أين المفر؟

عمر عليمات
يعيش اليوم تنظيم القاعدة الإرهابي (الأب الروحي للتنظيمات الإرهابية وأسبقها إلى تبني العنف والتطرف)، في اليمن حالة من الضعف لم يشهد لها مثيلاً في السابق، فقد أثبتت استراتيجية الإمارات التي انتهجتها لمحاربة هذا التنظيم نجاحها في توجيه ضربة موجعة إليه، أعادته إلى مرحلة المطاردة بعد أن كاد يصل إلى مرحلة تأسيس إمارة تابعة له في حضرموت جنوبي اليمن.
تنظيم القاعدة في اليمن الذي يعتبر أشد التنظيمات شراسة وتطرفاً، استغل فرصة الفوضى التي عاشها اليمن بعد انقلاب ميليشيات الحوثي وصالح على السلطة الشرعية، وبدأ بالتمدد في مناطق جنوب اليمن، وصولاً إلى سيطرته على مدينة المكلا عاصمة حضرموت وميناء المكلا وموانئ أخرى، حيث أوجد شريان إمداد للسلاح والعناصر الإرهابية، لتصبح إمارة التنظيم أمراً واقعاً ومفروضاً على سكان حضرموت.
إلا أن الإمارات باعتبارها جزءاً من التحالف العربي لدعم الشرعية، أدركت مبكراً مدى الخطر الذي يشكله التنظيم على كافة دول المنطقة إذا ما نجح في إقامة إمارة له، على غرار «داعش» في سوريا والعراق، لذا عملت على وضع استراتيجية شاملة للقضاء على هذا الخطر قبل أن يستفحل، ويصبح التعامل معه يحتاج إلى سنوات طويلة مؤلمة.
«القاعدة» راهن على تركيز قوات التحالف العربي جهودها على محاربة الحوثيين وصالح لدعم الحكومة الشرعية، وبدأ ينفذ سيناريو مشابهاً لسيناريو «داعش» في سوريا، غير أنه اصطدم باستراتيجية عسكرية قادتها القوات الإماراتية العاملة ضمن قوات التحالف العربي في اليمن، أدت إلى طرده من المكلا وملاحقته في مختلف مناطق حضرموت وجنوب اليمن بشكل عام.
الضربة المباغتة والقوية التي وجهتها الإمارات إلى التنظيم بالتعاون مع القوى اليمنية المحلية في المكلا، قلبت الموازين وأضعفت التنظيم ليصبح عناصره اليوم مطاردين غير قادرين على التخطيط وتنفيذ عمليات إرهابية، فبعد أن كان التنظيم يسعى لترسيخ إمارته وسيطرته، بات الآن يفكر في كيفية البقاء والاستمرار، وهناك أرقام تتحدث عن تقلص عدد عناصره إلى المئات فقط، إلى جانب المتعاطفين والمتعاونين معه الذين لا يشكلون قوة عسكرية يمكن للتنظيم الاعتماد عليها.
لقد مثل الجهد الإماراتي في محاربة القاعدة في اليمن العامل الأكثر بروزاً وأهمية لتجنيب المنطقة شرور هذا التنظيم، ومنع تضخمه إلى مرحلة يصبح التعامل معه فيها أكثر صعوبة وكلفة، لذا تم التعامل معه بشكل قوي بتوجيه ضربات عسكرية قصمت ظهره قبل أن يشتد عوده، فما حدث مع «داعش» في غفلة من دول المنطقة والعالم ماثل أمامنا، حيث استغل «داعش» تركيز دول المنطقة والعالم على الصراع الدائر في سوريا وأخذ يتمدد ويتوسع إلى أن وصلنا اليوم إلى تحالف يضم نحو 60 دولة لمحاربته في سوريا والعراق.
ولأن الإمارات تدرك مدى خبث وقدرة التنظيم على العودة إلى المناطق التي ينهزم منها، نفذت استراتيجية موازية لعملياتها العسكرية تقوم على تحسين حياة المجتمعات المحلية وتوفير التدريب والتأهيل اللازمين للقوات المحلية بحيث تكون قادرة على ردع التنظيم إذا ما حاول العودة مرة أخرى، كما نفذت العديد من الخطط التنموية والإغاثية في جنوب اليمن، لتقوية وتمكين المجتمع اليمني من الصمود في وجه أي محاولات مستقبلية للتنظيم.
إن جهود دولة الإمارات في محاربة الإرهاب باتت اليوم محل تقدير وثناء من مختلف دول العالم، بعد أن أثبت الواقع أن الإمارات محور رئيسي ومهم في الجهود العالمية للقضاء على التنظيمات الإرهابية واجتثاثها فكراً وتنظيماً، كما باتت القوات المسلحة الإماراتية محل إعجاب قادة دول العالم لقدراتها الاحترافية التي مكنتها من توجيه ضربات متلاحقة لتنظيم القاعدة أفقدته القدرة على التهديد وأعادته مطارداً مشرداً في اليمن.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى