قضايا ودراسات

القدس والذكرى الخمسون

مفتاح شعيب
المشهد المهيب لعشرات آلاف المصلين في المسجد الأقصى المبارك في أولى جمع رمضان، يؤكد أن تلك البقعة الطاهرة والقدس المحتلة عموماً ستظل عزيزة وراسخة في الوجدان، وأن يوم تحريرها الكامل سينجز يوماً، مهما اختلق كيان الصهاينة من مزاعم وذرائع لفرض اغتصابه على المدينة أو تهويدها إلى الأبد.
لم يخلُ ذلك الحشد الكبير من رمزية، خصوصاً في هذا العام الذي تكمل فيه القدس نصف قرن من الزمان وهي في الأسر، كما أن زحف أكثر من ربع مليون فلسطيني من جميع الأراضي المحتلة للصلاة في المسجد المبارك، حمل في ثناياه ردوداً على السياسات الصهيونية، وأهمها التأكيد على عروبة القدس وحرمة المسجد الأقصى باعتباره وقفاً للمسلمين إلى يوم الدين، وهو القبلة الأولى، ومنه عرج خاتم المرسلين إلى السماء ليلة أسري به من المسجد الحرام. ويبدو أن سلطات الاحتلال تحاول أن تضرب هذا البعد الروحي المقدس بترويج مزاعم وخرافات عن حق لليهود تحت المسجد الأقصى، لتبرر الأنفاق التي تحفرها والمخططات العدوانية لسلب المدينة من أهلها وأصحابها الأصليين. ومما لا شك فيه أن نفير هذا العدد الضخم من المصلين، جاء للرد على الاجتماع الاستفزازي الذي عقدته حكومة بنيامين نتنياهو عند حائط البراق الأسبوع الماضي، وقضى بالتخطيط لمشروع استيطاني ضخم سماه «القدس الكبرى»، ويهدف إلى ضم مستوطنات في الضفة الغربية ومناطق شرقي القدس إلى سطوة الاحتلال. ومن الواضح أن جعبة نتنياهو مازالت تحتفظ بالمزيد من «المفاجآت» الممعنة في إيذاء الفلسطينيين على مختلف المستويات، إذ سيتم تصعيد الممارسات التهويدية القائمة على طمس المعالم الدينية وتشويه التاريخ وتزويره، فضلاً عن مصادرة الأراضي والمنازل، ومنع أهل المدينة من إحداث أي تغيير على الأصول والعقارات، من أجل قطع الطريق على تشبثهم بالهوية والأرض.
في هذه الساعات، تمر الذكرى الخمسون لاحتلال القدس وسقوطها مغتصبة تحت براثن الاحتلال، ومما يثير الألم أن الصهاينة بدؤوا «الاحتفال» مبكراً بالمناسبة، بينما الفعاليات الرسمية في الجانب الآخر تتجاهل الذكرى المزعجة أو هي لا تريد أن تتذكرها أصلاً. وينسحب هذا الحال على الفلسطينيين والوطن العربي الكبير المنشغل في أزماته وصراعاته، وهو ما لا يجب أن يحصل، لو كانت هناك نخوة عربية حية لا تسمح بأن يستمر هذا العبث في فلسطين. وبعد نصف قرن من احتلال الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة بات كل شيء، من الأرض إلى الهوية إلى المقدسات عرضة للنهب والاغتصاب، ومع دخول نصف القرن الثاني من الاحتلال، سيعمل الصهاينة على أن يكون هذا العام من أكثر الأعوام حشداً وتحركاً على المستويات المختلفة، لاستكمال تثبيت اغتصاب الحقوق الفلسطينية وتهويدها. واستمراراً لهذه السياسة، يعمد قادة المستوطنين إلى التحريض على توالي اقتحام الحرم القدسي وإزعاج المرابطين فيه، وهي استفزازات تتوافق مع مخططات ماكرة لمصادرة المسجد الأقصى وكل متعلقاته ورموزه. إن ما يفعله الصهاينة خطير جداً وينتهك المحرمات، وهو ما لا يجب السكوت عليه، وأقل وسائل المقاومة التمسك بالقدس والمسجد الأقصى والنفير إليه لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً.

chouaibmeftah@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى