قضايا ودراسات

القرن الصيني

يشهد القرن الحادي والعشرون تحولاً هائلاً في ميزان القوة العالمي نحو شرق آسيا. ولا شك في أن الصين، القوة العظمى الصاعدة، ستكون القوة الاقتصادية الأولى في العالم خلال هذا القرن.

من جوانب عديدة، نحن نعيش الآن في القرن الصيني، تماماً كما كان القرن العشرون القرن الأمريكي. والصين وشعبها هما إحدى أبرز الحضارات التي ظهرت في تاريخ البشرية، وقد تعين عليهم أن يعانوا الكثير من قوى خارجية غازية، ومع ذلك كانوا دائماً يعودون للبروز أقوى مما كانوا. وللأسف، ليس هناك اعتراف كافٍ بما حققوه.
والصين هي بلا شك أعظم بلد في آسيا، وأحد أعظم بلدان العالم اليوم. والحضارة الصينية دامت طوال 5000 سنة، في حين أن الصين، كدولة واحدة موحدة، كانت موجودة على مدى 2000 سنة على الأقل، وقد أثبتت قدرة بارزة على النهوض من أي كبوة، كما أثبتت حكمة، ونزعة عملية، وقدرة على التكيف.
والشعب الصيني متحضر بدرجة راقية، ومثقف، ومسالم، ونشط، ويعمل بكد. وهو شعب مستنير ورصين جداً. وخلال فترة 30 سنة أو نحو ذلك، حول الصينيون أنفسهم إلى ثاني أكبر، وربما الآن أول أكبر، اقتصاد في العالم. والسبب لذلك هو كد، ومثابرة، وإقدام، ومطواعية وقوة الشعب الصيني، وكذلك الرؤية الاستراتيجية لقيادة حكومتهم، وانضباطها، وحزمها وقوة إرادتها، ولنظام حكمهم القائم على ديمقراطية استشارية واقتصاد سوق اشتراكي، بالإضافة إلى حس وحدة وطنية، وعقل منفتح، واستعداد للتعلم من آخرين. وبينما تهتز أنظمة سياسية واقتصادية واجتماعية في الغرب، وحتى تغرق في فوضى واختلال، فإن الصين المستقرة والمصممة تمضي إلى الأمام.
وخلافاً للبعض في الغرب الذين يتميزون بالغطرسة، فإن الشعب الصيني متواضع بدرجة عليا وواثق بنفسه – وهذا كانت دائماً سمة العظمة.
ومن المحزن أن يكون هناك في الغرب إجحاف، وجهل، وغيرة وحسد، ما ساهم في انتشار الكثير من معتقدات خاطئة بشأن الصين تروج لها بصورة خاصة عناصر متغطرسة في الولايات المتحدة وتوابع لها في الغرب، خصوصاً في بريطانيا. كما أن اليابان والهند لا تستطيعان مواجهة واقع أن الصين سوف تكون أكبر قوة عظمى اقتصادية آسيوية، وسوف تتقدم عليهما اقتصادياً ودبلوماسياً. والبعض في أمريكا، وليس الجميع، وإنما بعض الجمهوريين اليمينيين، لا يستطيعون قبول واقع أن الصين والنظام الصيني يثبتان أنهما متفوقان كثيراً جداً على النموذج الأمريكي الغربي لاقتصاد السوق، والفردية الأنانية، و«الديمقراطية الانتخابية».
والصينيون ليسوا شعباً عدوانياً، وهم لا يجدون مصلحة في غزو بلدان أخرى والسيطرة عليها من خلال القوة العسكرية، كما هي أمريكا، وبريطانيا، وحتى اليابان. وفيما عدا ضمان أمن جوارهم المباشر ودائرة نفوذهم الإقليمية (وهذا أمر يمكن تفهمه)، فإنهم لم يقوموا أبداً بغزو واحتلال بلد آخر. وهم لم يفتتحوا أول قاعدة عسكرية لهم في الخارج إلا في العام الماضي، وذلك في جيبوتي، بينما الولايات المتحدة لديها نحو 1000 قاعدة عسكرية عبر العالم. والصين كانت تقع عبر تاريخها ضحية عدوان خارجي، مثلما حدث خلال الحرب العالمية الثانية عندما غزاها اليابانيون. والصين ليس لها مصلحة في سيطرة عسكرية عالمية، والقاعدة الأساسية في سياستها الخارجية هي عدم التدخل في الأنظمة السياسية للدول الأخرى أو في السياسات الداخلية للدول الأخرى. ولهذا يعتبر الرئيس الصيني شي جينبينغ اليوم أحد أعظم قادة العالم إلى جانب قادة أوروبيين حكماء مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
والعالم، خصوصاً أمريكا وبريطانيا، يمكنه أن يتعلم الكثير من النموذج الصيني. ولو أن أمريكا وبريطانيا لم تكونا تتدخلان خلال أزمنة طويلة في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، لربما ما كانت المشكلات العالمية التي يواجهها العالم اليوم نتيجة للإرهاب لتخرج عن السيطرة.
إذا كان القرن العشرون هو بلا جدال القرن الأنكلو – أمريكي، مع انتشار أنظمة الحكم والأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأنكلو – أمريكية عبر العديد من مناطق العالم، فإن القرن الحادي والعشرين سيكون بالتأكيد القرن الصيني. وهذا سيكون أمراً صحياً بالنسبة لاستقرار العالم، كما سيكون تطوراً عظيماً في الشؤون الدولية.
ماثيو جيمسون *
* كبير باحثين لدى مجلس العموم البريطاني – موقع «استراتيجيك كلتشر»Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى