قضايا ودراسات

اللاتيني والأنجلوساكسوني

مقال جوهري في ذاكرة القلم. نشره في مجلة «العربي» الكويتية، مؤسسها ورئيس تحريرها الدكتور أحمد زكي، وزير المعارف المصري سابقاً، في أواخر العقد السادس أو أوائل السابع، فيه استشراف ونوستراداموسية. وزارة التربية والتعليم كانت تسمّى وزارة المعارف. دعنا، فليس هذا وقت اللعب بالجناس.
أقام الكاتب مقارنة بين الاستعمارين اللاتيني والأنجلوساكسوني، في التعامل مع شجرة البلد المستعمَر. الأول يستأصل الجذور ويترك للأغصان حرية النمو. الآخر يقطع الأفنان ويدع العروق تتجذّر وتتشابك ويلتف بعضها على بعض.
في المغرب العربي، حيث كان الاستعمار اللاتيني، لم تكن المذاهب الدينية مطروحة شعبياً، أمّا في الأوساط الثقافية، فكان تناول هذه المباحث أبعد من أبعد مجرّة في الكون. وكانت العلاقة بعلماء الدين في تونس منحصرة في التسليم عليهم، وطلب دعواتهم الصالحات. في الجزائر كانت الصلة أوثق وذات طابع سياسي أحياناً جرّاء فظائع الاستعمار، فكان الشأن مقاومة للاحتلال الذي كان يصرّ على عبارة: «الجزائر فرنسية». لك أن تعزو انعدام النزاعات المذهبية إلى عدم وجود الاختلافات المذهبية. يبقى تحليل أحمد زكي في مكانته الراسخة، بدليل أن حرية التعبير كانت عالية السقف تحت الاستعمار الفرنسي، فقد كانت الصحافة السياسية الساخرة مزدهرة، ولم تختف ولم تُدفن إلّا في عهد الاستقلال. في الجزائر أيضاً عانت الصحافة الساخرة ما عانت بعد التحرير.
في المشرق العربي، عمّق الأنجلوساكسونيون الخلافات المذهبية، في ازدواجية سلوك سياسي مريب، أغرقوا الشعوب بالصراعات والانقسامات الطائفية، أدياناً ومذاهب وأعراقاً، بينما الغرب، بجامعاته ومراكز بحوثه العلمية ومختبراته وصناعاته وتقانته، بفضل أجنحة أدمغته ومواهبه، يحلّق في فضاءات العلوم الفيزيائية والكيميائية والحيوية والمعلوماتيّة والذكاء الصناعيّ، سنين ضوئية بعيداً من التخلف التنموي، وتسخير المقدس للقتل والدمار. هم يعملون ليل نهار على بناء الحاضر والمستقبل باللبنات التي بنى الله بها الكون والحياة، فخطابهم هو لغة الخلق، والجاهلون الجاهليون يعيدون الإنسان والطبيعة إلى العصور البدائية، متوهمين أن الله خلق الآدميين ليلقوا حتفهم على أيدي أهل التطرف والعنف «باسم تعاليم الخالق». يا للفهم الأعوج الأهوج.
يبدو أن النهج الأنجلوساكسوني انتصر على المسلك اللاتيني، فمنذ لعنة «الربيع العربي»، ساد قطع الأغصان وتعميق الجذور. يبدو أن هرطقات فوكوياما تحتاج إلى إعادة صياغة، فنهاية التاريخ، كأنها رؤية سوء طالع إلى تاريخ العرب.
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: نحتاج إلى قراءة حديثة لفعل «كنتم» في «كنتم خير أمة…» ألمثل هذا انتظر الكون قدومنا أربعة عشر مليار سنة؟
عبد اللطيف الزبيدي
abuzzabaed@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى