قضايا ودراسات

اللعبة الصهيونية خلف وعد بلفور

أليسون واير*

عندما تفجرت الحرب العالمية الأولى، كان الشعب الأمريكي معارضاً بقوة لدخول بلاده الحرب، في حين أن وودرو ويلسون فاز بالرئاسة لولاية ثانية في انتخابات 1916 بفضل شعار حملته الانتخابية «سوف يبقينا خارج الحرب».
غيّر ويلسون مساره في 1917 ودفع بالولايات المتحدة إلى أتون الحرب في أوروبا. وقدمت الحكومة الأمريكية أسباباً متعددة لتغيير موقف ويلسون، منها حرب الغواصات الألمانية ضد السفن التجارية للحلفاء. ولكن المؤرخين يقولون إن مجموعة أسباب معقدة كانت وراء دخول أمريكا الحرب.
والأمريكيون يعرفون الآن معظم تلك الوقائع، ولكن قلائل فقط يعرفون أن الحركة الصهيونية كانت اللاعب الرئيسي الذي دفع بأمريكا إلى الحرب. (الصهيونية كانت حركة سياسية تهدف إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين. وعندما ظهرت هذه الحركة في أواخر القرن التاسع عشر، كان المسلمون والمسيحيون يشكلون 96 % من سكان فلسطين، في حين أن الأغلبية العظمى من يهود العالم لم يكونوا صهاينة).
وتظهر أدلة موثقة متنوعة أن الصهيونية هي التي دفعت الولايات المتحدة لدخول الحرب إلى جانب بريطانيا، وذلك في إطار مخطط لكسب دعم بريطانيا لهدفها المتمثل باستعمار فلسطين.
ومنذ بداية حركتهم، أدرك الصهاينة أن نجاحهم في إقامة دولة على أرض يسكنها أصلاً شعب غير يهودي يتطلب دعم «قوة كبرى».
وبعدما تورط البريطانيون في الحرب العالمية الأولى، خصوصاً في العام 2016 الكارثي بالنسبة للحلفاء (قتل 60 ألف جندي بريطاني في يوم واحد)، أصبح للصهاينة القدرة على أن يلعبوا ورقتهم الرابحة. ففي البداية، عرضوا حججاً دينية ومثالية من أجل كسب تأييد «القوة الكبرى» بريطانيا لمشروعهم في فلسطين، ولكن عندما احتدمت الحرب، وجد الزعماء الصهاينة ورقة قوية، إذ أبلغوا البريطانيين بأن الحركة الصهيونية سوف تستخدم نفوذها في الولايات المتحدة لكي تدخل أمريكا الحرب إلى جانبهم، بشرط أن تتعهد بريطانيا بدعم إقامة وطن يهودي في فلسطين عند نهاية الحرب.
وفي 1917، بعث وزير الخارجية البريطاني اللورد آرثر بلفور برسالة إلى الزعيم الصهيوني البريطاني اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد، عرفت باسم وعد بلفور، وتعهدت فيها بريطانيا بأن «تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية».
وإذا كان بلفور هو الذي وقع الرسالة – الوعد، إلا أن كتابة نص الرسالة كان قد بدأ قبل سنتين، وتم تعديل النص مرات عدة. وكتب الزعيم الصهيوني ناحوم سوكولوف يقول إن الصهاينة البريطانيين «حصلوا على الدعم الأكبر من الصهاينة الأمريكيين». وأشاد سوكولوف بصورة خاصة ب «النفوذ الشخصي المفيد للقاضي (اليهودي) في المحكمة العليا الأمريكية لويس د. برانديس». والنص النهائي لرسالة وعد بلفور كتبه في الواقع ليوبولد آمري، المسؤول البريطاني الذي تبين فيما بعد أنه كان في السر صهيونياً متحمساً. (ولد آمري لأب إنكليزي وأم مجرية يهودية).
ويبدو أن فكرة رسالة – وعد بلفور عرضها في الأصل هوريس كالن، مؤسس جماعة الباروشيم اليهودية (وهي جمعية صهيونية سرية).
وإذا كان «وعد بلفور» لا يرقى إلى أن يكون تبنياً صريحاً للصهيونية (بلفور نفسه كان معادياً للسامية)، إلا أن الصهاينة اعتبروه «تطوراً حاسماً» لأنه فتح باباً مؤاتياً على مصراعيه. وفي الواقع، يعتبر كثيرون أن ذلك الوعد كان عاملاً رئيسياً في إقامة «إسرائيل».
وهناك وثائق متعددة تتحدث عن المفاوضات التي قادها بلفور خلال الحرب، ومنها مقال كتبه صموئيل لاندمان، سكرتير عام المنظمة الصهيونية العالمية، في مجلة «وورلد جوري» ( يهود العالم ) عام 1936، وشرح فيه «اتفاق جنتلمان» (اتفاق شرف) تم في 1916 بين الحكومة البريطانية والزعماء الصهاينة. ونص ذلك الاتفاق على أنه «عقب التوصل إلى تفاهم بين (السياسي البريطاني) السير مارك سايكس و(الصهيونيين) وايزمان وسوكولوف، تقرر إرسال رسالة سرية إلى القاضي (في المحكمة العليا الأمريكية) برانديس تعلن أن الحكومة البريطانية سوف تساعد اليهود للحصول على فلسطين مقابل تأييد يهودي نشط في الولايات المتحدة لقضية الحلفاء من أجل تحقيق تحول حاسم في التأييد الشعبي الأمريكي لقضية الحلفاء».
وكتب صموئيل لاندمان يقول إنه فور موافقة البريطانيين على مساعدة الصهاينة، تم إبلاغ هذه المعلومة إلى الصحافة الأمريكية، التي بدأت على الفور حملة تؤيد دخول الولايات المتحدة الحرب إلى جانب بريطانيا. وأكد لاندمان أن الصهاينة التزموا بالاتفاق… «وهم الذين دفعوا بالولايات المتحدة لدخول الحرب إلى جانب الحلفاء» – ما أدى إلى هزيمة ألمانيا.
وبدوره، كتب وزير المستعمرات البريطاني اللورد كافنديش عن هذا الاتفاق ونتائجه في مذكرة رفعها إلى الحكومة البريطانية في 1923، قائلاً: «إن الغاية (من وعد بلفور) كانت كسب تعاطف اليهود النافذين والمنظمات اليهودية في كل أنحاء العالم مع قضية الحلفاء… والمفاوضات مع الصهاينة كان لها في الواقع تأثير كبير في حمل الولايات المتحدة على دخول الحرب».
وأخيراً، كتب ديفيد بن جوريون، الصهيوني الذي سيصبح فيما بعد أول رئيس وزراء ل«إسرائيل»، في عام 1939 يقول: «أمريكا لعبت دوراً حاسماً في الحرب العالمية الأولى، واليهود الأمريكيون كان لهم دور عظيم في تنفيذ وعد بلفور».

*مؤرخة وكاتبة بريطانية – موقع «لو عرفت أمريكا»
(ifamericaknew.org)


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى