قضايا ودراسات

المثقف الميديائي

خيري منصور
أصبح هذا المصطلح الذي اقترحه مفكر عربي متداولاً، وإن في نطاق أكاديمي ضيق، ومعناه باختصار هو ارتهان المثقف لشروط ومتطلبات الميديا الحديثة، فهي التي تتحكم بإيقاعات تفكيره، والمقاربات الأفقية والسريعة التي تختصر ما يمكن قوله في ساعات ببضع دقائق، وذلك بحجة ضيق الوقت وإتاحة الفرص لآخرين مختلفين في الرأي كي يكون المشهد بانورامياً.
وإذا كان هناك تعريفات عديدة للمثقف أشهرها تعريف «غرامشي» الشهير للمثقف العضوي فإن هذا التعريف الجديد يليق بعصر لا وقت فيه ولا مجال للتعمق واستكمال وجهة النظر، خصوصاً حول إشكاليات لا تقبل التسطيح.
فهل انتهى الأمر إلى تعاقد أقرب إلى التواطؤ بين المثقف والمنابر التي يطل منها؟ بحيث يدرك حجم خسارته لكن مقابل تعويض مزدوج على صعيدي الأجر والشهرة؟
لقد حذر عالم اجتماع فرنسي هو بيار بورديو من إخضاع المثقف للميديا خصوصاً التلفزيون، وكان ضمن عدد قليل من أمثاله قد امتنع عن الظهور على أية شاشة، مبرراً هذا الامتناع بقوله إن للمثقف أسلوبه وإيقاعه وكذلك الوقت الذي يستحقه كي يعبر عن موقف ما، لكن أمثال هؤلاء لم يتحولوا إلى ظاهرة لافتة، بعد أن اجتذبت الميديا خصوصاً المرئي منها معظم المثقفين، وحين نشاهد عبر بعض الفضائيات مثقفاً يقبل من المذيع أن يختصر رأيه في نصف دقيقة، يصبح المشهد أقرب إلى الكوميديا لأنه لو سعل أو أخذ نفساً عميقاً سيكون قد خسر نصف الدقيقة.
ولأن لكل زمان منظومة مفاهيم تسود فيه وتتحكم ببوصلته، فقد قيل شيء كهذا عن المفكرين العرب الرواد ومنهم طه حسين والعقاد وسلامة موسى عندما بدأوا يكتبون مقالات في الصحف اليومية، لكن مبررهم كان أن ما يكتبونه ليس مجرد تعليق على حدث بحيث يفقد صلاحيته في اليوم التالي، وبالفعل كانت أهم الكتب التي صدرت لهم هي مقالاتهم التي لم تفقد صلاحيتها حتى اليوم!
فهل بمقدور المثقف «الميديائي» أن يقتفي خطاهم أم أن ما يقوله يذهب مع الريح؟Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى