قضايا ودراسات

المحافظون لم يخسروا.. والعمال تقدموا

محمود الريماوي
جدّد البريطانيون، يوم الخميس الماضي 8 يونيو/ حزيران الجاري، لحزب المحافظين ورئيسته تيريزا ماي (61 عاماً) لرئاسة السلطة التنفيذية. ومع ذلك، فإن هذه الانتخابات لم تخل من إثارة. فقد عزمت ماي على تجديد حصولها على أغلبية مطلقة أو زيادة هذه الأغلبية، إلا أن النتيجة تمثلت بتراجع حزب المحافظين وخسارته 12 مقعداً، متراجعاً من 330 مقعداً إلى 318 مقعداً. وكانت ماي تسعى لدعم شعبي أقوى لمفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي. ورغم عدم حصولها على الأغلبية المطلقة إلا أن الملكة إليزابيث منحتها فرصة تشكيل حكومة جديدة، كونها تمثل الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد.
في المقابل، فإن حزب العمال حقق تقدماً يتناسب مع توقعات استطلاعات الرأي، فقد كسب 29 مقعداً بحصوله على 261 مقعداً بعد أن كان يتمتع ب 232 مقعداً في مجلس النواب الذي يضم 650 مقعداً. زعيم الحزب جيريمي كوربين هلل كما هو متوقع للنتيجة، ودعا ماي للاستقالة مستثمراً ما بدا أنه تحول لدى الرأي العام؛ لكن دون أن يكون هذا التحول نوعياً أو كافياً. وفي واقع الأمر إن النتيجة كرست كوربين (68 عاماً) زعيماً لحزب العمال بعد أن صعد إلى قمة الحزب في سبتمبر/ أيلول الماضي وسط انقسامات في صفوف الحزب آنذاك. كما كرّسته الشخصية الثانية في الحياة السياسية البريطانية، بعد أن أفشل خطة ماي في إجراء انتخابات مبكرة تعزز فيها حضورها ونفوذ المحافظين. وقد أثنى كثيرون على أداء كوربين في الحملة الانتخابية، وعلى حسن مخاطبته لشريحة الشباب التي اقترعت بنسبة 72 في المئة في هذه الانتخابات، فيما امتنعت ماي عن المشاركة في المناظرات التلفزيونية مع منافسها.
يوصف كوربين بأنه يساري النزعة، من المؤيدين لمد الجسور وتمتين العلاقات بين أتباع الأديان، ومن محبذي زيادة الضرائب على الأغنياء ممن تزيد دخولهم على مليون جنيه استرليني في العام لتصل الضريبة إلى نحو سبعين في المئة. كما يحبذ إجراء تسوية لأزمة الشرق الأوسط على أساس حل الدولتين، ويضع نفسه ضمن دائرة أصدقاء فلسطين في الحزب، وقد اعتذر عقب فوزه برئاسة الحزب عن زيارة الدولة العبرية. كما يحبذ الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران، وعدم التراجع عنه، ويدعو لعدم السير أوتوماتيكياً في ركاب السياسة الأمريكية الخارجية.
على أنه يتخذ موقفاً رمادياً من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه. وهي القضية المحورية التي دفعت إلى إجراء هذه الانتخابات المبكرة. فبعد ظهور نتائج الاستفتاء في بريطانيا سبتمبر الماضي، فقد اعتبر أن أداء الحكومات المتعاقبة (حكومات المحافظين) في المجالين الاقتصادي والاجتماعي قد قاد إلى هذه النتيجة، وعليه فإنه رغم تأييده الضمني لبقاء بريطانيا في الاتحاد القارّي، فإنه ينظر لخروج بريطانيا من الاتحاد كأمر واقع، وكخيار شعبي لا فكاك منه.
أما ماي فتتبنى سياسات تقليدية لبلادها في العديد من المسائل المحورية، وقد عرفت في السنتين الماضيتين بمواقف متشددة حيال الهجرة، فعارضت لم الشمل العائلي للأسرة الفقيرة، ورفضت أن تلتزم بريطانيا بحصص من المهاجرين وفق سياسة اتبعها الاتحاد الأوروبي. كما عرفت بتشددها حيال الجماعات والأفراد المصنفين بالتطرف ومنهم جماعة «الإخوان» المسلمين. وفي ديسمبر الماضي حلّت ماي ضيفة شرف على قمة مجلس التعاون الخليجي في المنامة.
ويتعاقب كل من حزب المحافظين وحزب العمال على رئاسة الحكومة البريطانية منذ زهاء نصف قرن على الأقل، وبصيغة مشابهة لما يجري في الولايات المتحدة من تعاقب بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري على التمثيل النيابي، ورئاسة الحكم. مع فارق أن الحياة الداخلية للأحزاب البريطانية أكثر غنى وتنوعاً مما هي عليه الحال في الحزبين الكبيرين الأمريكيين؛ وذلك للتأثير الكبير للوبيات النفوذ في الولايات المتحدة على الحياة السياسية، مقارنة ببريطانيا.
وسوف تتجه ماي لتشكيل ائتلاف مع الحزب الاتحادي الديمقراطي (عشرة مقاعد) الذي يمثل إيرلندا الشمالية المنضوية تحت التاج البريطاني، التي لا تنزع للاستقلال عن المملكة لمتحدة. أما جيرمي كوربين فسوف يحتل موقع المعارضة بجدارة، وسوف يترأس على الأغلب «حكومة الظل» وفق التقاليد السياسية البريطانية. وتسمح هذه التقاليد للدول الأخرى بالتواصل مع المعارضة وعقد اجتماعات مع زعمائها وحتى توجيه دعوات رسمية لهؤلاء؛ وذلك من أجل كسب تأييد المعارضة في مجلس العموم لمواقف هذه الدول. وهكذا فإن النتيجة النهائية لهذه الانتخابات التي جرت قبل ثلاث سنوات من موعدها تتمثل بالتجديد لحزب المحافظين، وزيادة حجم المعارضة

mdrimawi@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى