مقالات رئيس التحرير

المسؤولية بعد المنصب

لكل منصب خاتمة، مهما طال مكوث صاحبه فيه، سواء أكان ذلك بقرار ذاتي بحت أو نتيجة لبلوغ الشخص سن التقاعد، الذي يستوجب منه إتاحة الفرصة لمن هم أصغر منه سناً، ليبدأ بدوره مرحلة حياتية جديدة لا تخلو من الإنجازات المهمة بالضرورة. لكن هل الاستقالة أو التقاعد يسمحان للمرء أن يفعل ما يريد، مادام هو خارج نطاق عمله أو أصبح بعيداً عن المنصب؟.

في وقتنا الراهن، يمكن لأي شخص ملاحظة كيف أن بعض أصحاب المناصب العليا، ما إن يتقاعدون أو يخرجون من وظائفهم، حتى ينزلقوا في عالم السوشيال ميديا وإغراءاته، فيقبل الواحد منهم الظهور في إعلان لمنتج أو خدمة، أو القيام بأمور أخرى لا تليق بشخص بمكانته؛ حيث كان في مرحلة ما يتقلد مقاماً رفيعاً ومهماً، ويُحسب له ألف حساب.

إن ما يفعله بعض من تقلدوا مناصب حساسة ذات يوم ثم غادروها، أنهم بغير قصد ينقلون رسالة سلبية، ويخلقون انطباعاً منقوصاً لدى عموم الناس تجاه كل من يجلس على كرسي القيادة، وذلك من خلال تصرفهم بطريقة غير لائقة، لا تتماشى مع مكانتهم التي ترسخت في أذهان الكثيرين وقلوبهم، عبر مسيرة طويلة من العطاء، يقلدون شباباً صغاراً من مشاهير السوشيال ميديا في سن أبنائهم.

احترام المنصب ورسالته النبيلة، يقتضي من صاحبه أن يظل مخلصاً له طوال حياته، لا أثناء وجوده على رأس عمله فحسب، ثم بعد ترك الوظيفة يفعل أي شيء يخطر في باله. الرسالة لا تموت حينما يتلاشى المنصب، بل تموت عندما تتلاشى المسؤولية المنوطة به.
وما أريد أن أوضحه هنا هو أن كل شخص كان يشغل منصباً في يوم من الأيام، عليه أن يحترم المقام الذي كان فيه، وأن يستغل شهرته التي عرف بها وخبرته التي اكتسبها في أعمال كثيرة يمكن أن تدر عليه دخلاً إضافياً كالمحاضرات والدورات والندوات، وغيرها من الأمور التي تبقي شخصيته ومكانته في محلها، كما اقترح وضع شروط وسَنّ ضوابط أو قوانين تمنع أي إنسان تقلَّد منصباً ذات يوم أن يدخل أو أن يعمل بعد تقاعده أو تركه لوظيفته في أي مجال قد يسيء إلى مكانته أو المكان الذي كان فيه؛ لأنه يبقى في ذاكرة الناس ممثلاً لمنصبه في بلده.
الوطن أمانة في أعناقنا، والمنصب تكليف ومسؤولية، لا مجرد مقام رفيع وصلاحيات كبيرة. لهذا على أصحاب المناصب على وجه الخصوص أن يخلصوا للمكان الذي شغلوه فيما مضى بشكل دائم لا يعرف انقطاعاً، سواء أثناء تأدية واجباتهم أو بعد ترك مناصبهم، حتى نحافظ على الصورة الحضارية لمؤسساتنا، وللرجال الذين يمثلون الوطن.

نشرت في صحيفة الخليج

 

زر الذهاب إلى الأعلى