قضايا ودراسات

المستوطنات في نظر ناشطة «إسرائيلية» معمِّرة

روت قيدار *
«المستوطنات منذ أن شهدتُ بداياتها قبل نصف قرن، تفاقمت وازدادت سوءاً. وحجمها ومدى انتشارها، شيء لا يمكن أن أتغاضى عنه أو أنساه».
استغرق الأمر عقوداً من الزمن، لتصبح لا أخلاقية الاحتلال مفهومة. في عام 1967، كان زوجي رجلاً عسكرياً. وكنّا في الخارج عندما كُسِبتْ الحرب، وتغيَّرَ نسيج «إسرائيل» التي كانت لا تزال حديثة العهد، ربما إلى غير رجعة. وعندما عدنا عام 1968، كان المزاج منتشياً بالنصر، وكنا نعتقد أن الأمر رائع. كنا عمياناً فعلاً عن رؤية ما كان يحدث.
لم يكن أحد يتحدث عن الاحتلال في ذلك الوقت. في تلك الأيام الأولى، لم يكن هنالك جدار، ولا نقاط تفتيش ولا عمليات إغلاق. ولكن، شيئاً فشيئاً، بدأت التصدّعات تتشكل. ساعدني أبنائي أولاً على إدراك ما كان يحدث. كان لديّ ثلاثة أبناء في الجيش أثناء حرب لبنان الأولى، ثم كجنود احتياط في الضفة الغربية. ومن خلال قصصهم بدأت أبصر الحقيقة.
ومع ذلك لم أفعل شيئاً في ذلك الوقت. كناّ منغمسين في الحياة، وكانت الحياة جيدة. واستغرق الغضب وقتاً طويلاً لكي يختمر قبل أن يبلغ نقطة الغليان. ولم يكن قبل عام 2001، أي بعد الانتفاضة الثانية قد طفح الكيل، بالنسبة إليّ على الأقل. لم يعُد بوسعي أن أجلس مسترخية وأتفرج على «إسرائيل» تسلك نهجاً غير قانوني ولا أخلاقي، وهكذا، بغضب، بدأتُ العمل.
في البداية كنت أقف عند نقاط التفتيش مع نساء أخريات لأراقب ما كان يجري هناك. وكان هنا في هذه الأماكن، أنْ بدَأنا نرى الجانب الآخر، وقد أصِبنا بالصدمة. وعندما ذهبنا إلى القرى في الضفة الغربية، صعقتني الدهشة.
التقينا فلسطينياً يُدعى إبراهيم، الذي قال «تحدث هنا أشياء، إنهم لا يسمحون لي بالذهاب إلى أرضي. وهم يضربوننا». وبعد سنوات عديدة من الاكتفاء بالمشاهدة، جعلنا إبراهيم ندرك أن فضح مظالم الاحتلال لم يكن كافياً. يجب فعل المزيد.
كنا مجرد حفنة من نساء ساذجات، وليس في جعبتنا سوى الجرأة، فأسسنا منظمة «ييش دين». وما زلت لا أعرف كيف فعلنا ذلك. و«ييش دين» التي تعني بالعبرية «توجد عدالة»، تشكل الآن واحدة من حفنة المنظمات «الإسرائيلية» غير الحكومية، التي تسائل ممارسات حكومتنا وتسعى إلى مراعاة القانون، وحقوق الإنسان والحريات التي يحرم الاحتلال ملايين الفلسطينيين منها.
كان إبراهيم قضيتنا التجريبية الأولى. قمنا بالإجراءات القانونية وأعدناه إلى أرضه. ثم سمعنا بعد ذلك عن أرملة كانت قد طردت من منزلها بالقوة من قبل المستوطنين. وأعدنا إليها منزلها.
ومنذ عام 2005، ساعدت منظمة «ييش دين»، الفلسطينيين، ضحايا الجريمة والانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي في تقديم 1122 شكوى. وبحلول عام 2016، أدّى 90 تحقيقاً فقط (أي 8%) إلى إدانات. وبالإضافة إلى ذلك، مثّلنا مُلاّك أراضٍ فلسطينيين، ورؤساء بلديات في 64 إجراء قانونياً أمام المحكمة العليا «الإسرائيلية»، أو المحاكم الإدارية.
وأنا أعتقد أنه بينما يستمر هذا الاحتلال- وهو المصدر الرئيسي لانتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني- فلن تكون هنا عدالة.
إن الحالات التي فزنا فيها لا تزال قليلة جدّاً. لقد أحرزنا نجاحات، مثل الإخلاء الذي حدث مؤخراً لمستوطنة عمونا، وهدم منازل مستوطنين في أماكن أخرى، ولكن الكثير جدّاً من عملنا اليومي، حتى في الوقت الحاضر، نفعله ونحن نعلم أن القضايا التي سوف تغلق، أكثر من التي نكسبها. ولكن حتى حين نعلم ذلك، فإننا نعلم أيضاً، كما فعلنا عندما وقفنا عند حواجز التفتيش قبل نحو 20 عاماً، إنه الشيء الصواب والأخلاقي الذي يجب أن نعمله.
ومنذ أن شهدنا بدايات الاحتلال قبل نصف قرن، فإنه لم يزدد إلاّ سوءاً. وحجم المستوطنات ونطاقها شيء لا يمكن أن أتغاضى عنه أو أنساه. إني أعرف كل طريق صغير وكل قرية صغيرة في الضفة الغربية، ومن المفزع أن يراها المرء وهي تبتَلع قطعة قطعة، من قبل صفوف مبهمة من السقوف الحمراء التي تتضاعف في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية. إنه نهب يخلو من أي حياء.
ليت كل «الإسرائيليين» استطاعوا أن يروا ما رأيته. إني أعرف أنه عندما تكون الحياة جيدة، يكون الناس لامبالين، ويتعاموْن عن رؤية معاناة الآخرين. وفي خضم صخب «تل أبيب» وشواطئها يكاد يستحيل التفكير في مدى الفقر وانتهاك الحقوق اللذين يحدثان على بعد 20 ميلاً فقط. المستوطنون يعيشون في مساكن رخيصة الثمن مع مناظر الجبال الرائعة. ولا أحد يفكر في الظلم الذي يقبع بين تلك التلال.
لا أحد يفعل ما يكفي؛ «الإسرائيليون»، الحكومات الدولية، أو الرأي العام العالمي. إننا جميعاً غير مبالين للغاية، ومرتاحون للغاية. والاحتلال لا يكاد يَبين، بين مصادر القلق في العالم الآن.
على مدى 50 عاماً، أضعف الاحتلال «إسرائيل» من داخلها. وما كان ينبغي أن يحدث. فقد جلب ذلك، التغير الراديكالي والسلبي للبلاد.. في سنواتي ال 90، عشت سنوات الاحتلال ال 50 كلها. سوف أستمرّ في محاولة تغييره. لا أدري إلى متى. ولكني سأفعل.
* مؤسِّسة وعضوة في منظمة «ييش دين» «الإسرائيلية» غير الحكومية. موقع: صحيفة إندبندنت

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى