المناهج وتطوير أداء الدماغ
قال القلم: سوف أقول كلاماً لأهل المناهج العربية قد يبدو لهم غريباً. قلت: هم قوم مشيهم وئيد، يحملون مسؤولية أثقل من الحديد، لذلك هم متريّثون قعود، إحساسهم بالزمن فريد، فالقرن عندهم كلمح البصر غير معدود. ألا ترى ثمار تربيتهم وتعليمهم في التغريد، كأننا في عاد وثمود؟ قال: مشكلات المناهج العربية تتلخّص في عدم فهم قدرات الدماغ. مستقبل الدماغ البشري هو الذي يجب أن توضع على أساسه المناهج.
لتربية الموروثة توهمنا بأن إنسان الماضي والحاضر نسخة نهائيّة، بينما نحن في مسيرة تطوّر نحو الأفضل. الإحساس بالزمن غائب في المقرّر وأساليب التدريس. قلت: أنت تتجنّى، وتسرف في ما تتمنّى. صحيح أن الحفظ والتجميع وحشو الأدمغة، لا تزال القاعدة، لكن الطالب لم يعد يتجرّع ألفيّة ابن مالك وشرحها والحواشي على الشروح والهوامش على الحواشي، أليس هذا تحديثاً؟ قال: إن وضع المناهج قائم على مفهوم قديم، وهو أن الدماغ جهاز عصبيّ ثابت، فلا يحتاج إلى تأهيل مستمرّ. لم يدركوا أن كل أشكال التخلف العربيّ مردّها إلى أن الأدمغة لم تتغيّر في طريقة تفكيرها، لم تواكب عصرها إلاّ في امتلاك وسائل حديثة، ولكنها ظلت في سلوكياتها الذهنيّة خارج العصر. التربية والتعليم متسمّران في الماضي.
من المسؤول عن عدم القدرة على الاندماج في العصر؟ الدماغ ولا شك. للعرب عشرات الألوف من خرّيجي العلوم في كل التخصّصات، ولكن التحوّل لم يحدث، لا لأن الأمر يتوقف على القرار السياسيّ، يقيناً لا، فالدماغ الذي سيطوّر المفاهيم السياسيّة، وبالتالي القرار، هو نفسه صنيعة تلك التربية وذلك التعليم. تلك هي الحلقة المفرغة.
قلت: كيف يمكن إحداث التغيير في التعامل مع كتلة الجمجمة؟ قال: أن يضع واضعو المناهج نصب أعينهم أن تطوير طرائق التفكير والعقلية، وتأهيل الدماغ للبحث العلميّ، وبناء العقل الناقد وحرّية السؤال والتحقيق، وإزالة القيود والموانع من أمام الاستقصاء والتحليل والاختبار، وإعادة النظر بموضوعيّة في المسلّمات، ذلك أعظم إنجاز يمكن تحقيقه في المناهج كخطوة أولى. الخطوة التالية أصعب قليلاً، وهي إعداد الدماغ لعالم مستقبليّ غير بعيد سيغيّر أداء الدماغ. إن الذكاء الاصطناعيّ سيُدغم قطعاً في الدماغ البشري على مراحل، مع تطوّر العلوم العصبيّة وتقدّمها. ستبلغ القدرات الحسابيّة للمخ مستوى خياليّاً، بفضل الرقائق النانويّة وما بعدها. سيصبح استيعاب «الداتا» نجوميّاً، ومعه القدرات التحليلية والإبداعية. هذا هو التطوّر الذي يجب أن يكون حادي قافلة المناهج إلى الغد.
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغويّة: إذا تحقق التغيير والتطوير، فسوف تصبح المناهج مباهج.
عبد اللطيف الزبيدي
abuzzabaed@gmail.com