قضايا ودراسات

الموصل

عبد اللطيف الزبيدي
تحرير الموصل فصل من رواية طويلة، من سلسلة روايات موضوعها واحد. أنت على حق إذا رأيت أنها مسرحيات متوازية تراجيكوميدية، أو مسلسل مأساة ملهاة مترابط منفصل الحلقات، من قبيل البلدان الجميلة والوحش المنقض.
بداهة، الدبلوماسية لا تتفوّه بكل شيء في القضايا السياسية الحساسة. هي تهوى الإيجاز والرموز والألغاز، وتترفّع عن توضيح الواضحات. فخامة ترامب يحبّ فخامة التعبير البليغ، ويحسن الظن بالنظام العربيّ، يظن أنه يفهم التورية حين يقول: «تحرّرت الموصل من كابوس طويل»، يتوهم أنه ليس في حاجة إلى إضافة: «صنعناه نحن بأيدينا».
المهم الأهم الذي يتجاهله الكثيرون عند التحليل هو الأساس المهترئ، الذي تصنعه الفردية المطلقة. الفردية في الرأي والقرار تكثر أخطاؤها، لتوهّمها الكمال في سلوكها، لا أحد يجرؤ على القول لها: ثمة رأي غير رأيك، لا المستشارون ولا الإعلام، أمّا نخبة المثقفين فعليها التغزّل بالسنابل والبلابل، طبقاً للمقولة النازية: «حين أسمع كلمة ثقافة، أسحب مسدسي». الفردية لم تضمن حرية التفكير والتعبير، فهرب الرأي المختلف أو المخالف إلى الخارج. هؤلاء وجدوا من يغريهم بالحماية، فانجرّوا إلى خيانة العراق، وعادوا إلى عاصمة «الوطن»، قلعة الرشيد، على دبابات المحتل تحت «راية» التحرير ونشر الديمقراطية. طبيعيّ أن يُكافأوا ببعض الفتات على موائد المنهوبات. أمّا الشعب، «خلّي يولّي»، كفاه حفر القبور، والويل والثبور. أحد النجارين صانعي التوابيت في بغداد، قال لمراسل فضائية عراقية قبل عامين أو ثلاثة: «كنت أبيع تابوتاً أو تابوتين، «هسّه» (الآن) صرت أبيع عشرة، أربعة عشر تابوتاً في اليوم، والحمد لله». ما يذكّرك بمقولة «هوفويت بوانيي» رئيس ساحل العاج سابقاً، ساخراً: «بالأمس كنّا على شفا الهاوية، اليوم خطونا خطوة إلى الأمام»!
تحرير الموصل انتصار كبير على المجرمين القائمين بمهمة، ولكنه نهاية معركة في حرب طويلة على الإرهاب. حرب غايتها لا يريد النظام العربيّ معرفة مداها، لأنه لا يستطيع مصارحة العرب، ولا حتى نفسه، بأن الإرهاب سياسة قوى محدّدة من المجتمع الدوليّ. مصارحة كهذه تضعه أمام مسؤوليات لا يقوى على النهوض بها أيّ نظام فردي. النظام الفردي لا يرى القوة في شعبه، لا جسور تربطه بشعبه، وهذه هي نقطة الضعف التي تجرّ إلى الانهيارات الكبيرة. تصبح البلدان كلها مجموعات أسماك في الشباك. يكمن الخطر في حسن الظن بحادثات الليالي. الإرهاب مجرد وسيلة، فهل تحققت الغاية من اختلاقه كاملة؟ لقد تحررت الموصل، فماذا عن العراق، وسوريا، وليبيا؟ ثم ماذا عن استمرار تدحرج كرات الفتن؟
لزوم ما يلزم: النتيجة القاموسية: حرّك محرك البحث في دماغك لربط هذه المفردات: الطاقة، الابتزاز، التفتيت الجغرافي، التغيير الديموغرافي، «إسرائيل»، وأد التنمية.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى