قضايا ودراسات

الهزيمة الناقصة

خيري منصور
تنبه كثير من مثقفي العالم المعاصر إلى ظاهرة هي مزيج من النفسي والاجتماعي والسياسي والثقافي، غالباً ما تسود المجتمعات وتتحكم ببوصلاتها بعد الهزائم العسكرية، فالأخطر من أية هزيمة في حرب هو فقدان المهزوم، ثقته بنفسه وتشككه بمجمل ميراثه وتاريخه، وقد كرس باحثون ألمان وروس ويابانيون على وجه التحديد ما استقوه من معارف لإنقاذ شعوبهم من هذا الفخ التاريخي، وقالوا إن الهزيمة في حرب ليست أمراً واقعاً يجب التأقلم معه؛ بل هي الضارة التي يجب تحويلها إلى نافعة، سواء كان ذلك من خلال النقد الذاتي الهادف أو عبر مراجعات للتاريخ وعقد المقارنات بغية تجنب أسباب التراجع، وحين نعود عقوداً إلى الوراء ونتذكر تلك الظهيرة السوداء التي توقف فيها إطلاق النار في حرب الساعات الست، وليس الأيام الستة كما يقال، نجد أن معظم ردود الفعل كانت سلبية؛ لأن التوقعات كانت أكثر وأشد تعقيداً مما حدث؛ لكن الصدمة لم تدم طويلاً خصوصاً لدى مثقفين لهم دراية بالتاريخ ومكائده وجدليته التي يتعاقب فيها الصعود والهبوط، وبالفعل صدرت كتب في هذا السياق؛ لكنها لم تقرأ بشكل جدي وعلى نطاق قومي؛ لأن الشكوك بلغت الكلمة المطبوعة مثلما شملت كل ما يصدر عن الإعلام الذي سعى إلى تجميل الحقائق، وحجب بعضها إذا تطلب الأمر.
لكن أغرب ما صدر في تلك الآونة الحرجة كتاب كان مؤلفه قد كرسه لاحتلال فلسطين عام 1948، وأعاد نشره بعد عشرين عاماً بالعنوان ذاته، ليقول للقارئ ما أشبه الليلة بالبارحة، وأن التاريخ قد تكرر هذه المرة؛ لكن على نحو زاوج بين التراجيديا والكوميديا أي بين المأساة والملهاة.
ورغم أن تلك الهزيمة سرعان ما أدت إلى حرب الاستنزاف، ومن ثم إلى حرب أكتوبر عام 1973، إلا أن الخامس من حزيران بقي ندبة سوداء في الذاكرة؛ لأن معظم ما احتل من الأرض في تلك الحرب لم يحرر بعد.
إن دور النخب على اختلاف مجالاتها لا يتضح في السراء فقط، وربما كان اختبارها العسير في الضراء، فهل نجحت أم تكرر رسوبها؟Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى