الهند وتعدد الأقطاب
علي قباجه
باتت القطبية الواحدة محل نظر لدى دول عالمية عدة؛ بل إنها أصبحت ضرباً من الخيال؛ حيث تسعى كل دولة لتحقيق مصالحها حتى لو كان ذلك على حساب معارضة سياستها لإرادة قوى عالمية، كانت بالأمس القريب تهدد العالم وتتوعده إن هو خالف ما تراه، والمثال الحي على ذلك، ما لجأت إليه الهند مؤخراً؛ حينما عقدت عشرين اتفاقية مع روسيا، وقعها بوتين مع ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند؛ شملت نواحي اقتصادية وسياسية، دون إغفال الجانب العسكري، الذي حاز جانباً كبيراً من الاتفاقات الموقعة بين الطرفين.
ولا شك أن الهند على دراية بأن عملها هذا سيجر عليها غضباً أمريكياً، لا سيما أن الاتفاق العسكري الأخير بين الهند وروسيا شمل أموراً تعدها أمريكا خطوطاً حمراً؛ إذ ستورد روسيا للهند بموجب الاتفاقات الموقعة منظومة صواريخ (إس 400) أرض -جو إلى جانب ما تستورده نيودلهي منها من مقاتلات (إس يو-35)، وهذا ما يجعل أمريكا تشتاط غضباً، وتوجه رسائل تهديدية؛ مفادها أن عقوبات أمريكية في طريقها إلى الهند، بعد إقدام الأخيرة على الإبحار بعكس التيار الأمريكي.
الهند الدولة النووية حالها كحال جارتها الآسيوية الصين تسعى إلى تحقيق مصالحها، كما تعمل مع دول عالمية عدة للقضاء على فكرة القطبية العالمية، التي كانت تتمثل فيما مضى بقطبين فقط؛ هما: أمريكا وروسيا.
فاليوم العالم باتت تحكمه المصالح على اختلافها، ولم تعد أية دولة لها الحق بالاستئثار بجانب دون غيرها، وهو ما برز في مشاهد عدة، فمثلاً حينما توعدت أمريكا دول العالم بعقوبات شتى إن هي اعترفت بعضوية فلسطين بالجمعية العامة للأمم المتحدة، لم يأبه أحد لها إلا القلة في رسالة عالمية، تُترجم على أن زمن القطبية الواحدة قد ولى.
والهند بعلاقتها مع روسيا تسير في الخط ذاته؛ حيث إن البلدين تربطهما أصلاً علاقات صداقة وتعاون وقعت بينهما منذ 1994، والاتفاقات الأخيرة هي تعزيز لما هو قائم أصلاً مع الإشارة هنا إلى أن الهند لا تسعى البتة نحو عداء مع أمريكا؛ حيث إنها تتماهى معها في سياسات عدة إلى درجة مخالفتها لروسيا أحياناً، بمعنى آخر أن الهند تمسك بالعصا من المنتصف، فهي تريد «ألا تخسر عنب الشام وتكسب في الوقت ذاته بلح اليمن».
لا شك أن ما قامت به الهند لا يعد بدعاً من الفعل، فمعظم دول العالم تسلك النهج ذاته، لاسيما بعد سياسة «الحمائية»، التي تنتهجها الإدارة الأمريكية، ولعل اجتماع قمة «آسيم»، الذي ضم 50 دولة يعد رداً آخر على أن العالم اليوم لم يعد مرتهناً لدولة بذاتها.
لذا تعد الاتفاقات الهندية الروسية أمراً عادياً؛ ففي نهاية المطاف كل دولة تسعى نحو مصالحها، والهند تريد أن تكون قوية أمام جارتها باكستان بحيث تأمن من أن يلحقها أي تهديد منها، وروسيا تريد أن تصيد عصفورين في آنٍ معاً؛ فهي من جهة تريد بهذه الاتفاقات أن تجر باكستان لاتفاقات مماثلة؛ كرد على ما قامت به الهند، وهو ما سينعكس إيجاباً على الاقتصاد الروسي، ومن جهة أخرى تريد أن توجه رسالة للقطب الآخر بأن العالم باتت تتجاذبه قوى عدة.
aliqabajah@gmail.com