قضايا ودراسات

الهوّة بين الفكرة والإنجاز

عبد اللطيف الزبيدي
في تاريخنا المعاصر حقبة عُرفت بعصر النهضة العربية.كان لها رواد في الفكر والثقافة والإصلاح الاجتماعي والتجديد الفقهي،ولم تهمل الشأن السياسي أحياناً،ولكن المقاربة ظلت ملامسة سطحية.كل النتائج كانت نظرية غير منهجية،لم تعمل على التأسيس والتنفيذ.ثمة فارق بين الأماني وبرمجة المشاريع.
لا مجال للحديث عن مقارنة بعصر النهضة الأوروبي.ما حدث في أوروبا من تحولات بين 1700 و 1900 كان نجومياً في جميع المجالات،لأن الأفكار النهضوية تجسدت منذ البداية في إنجازات تنموية شاملة.كل القوى الناعمة مع كل القوى الصلبة.لم تبق الأفكار حبراً على ورق، أوراقاً تولد خضراء ثم تصفّر وتتساقط في خريف النسيان.
خذ مثلاً القفزات العملاقة في الموسيقى:باخ، موتزارت، بيتهوفن. تطوّر خيالي مذهل. الريادة الفلسفية المتوازية: الفرنسية السهلة الميسرة لدى فولتير، روسو، مونتسكيو، والألمانية المثالية «مكسّرة الرؤوس» لدى كانط وهيغل، ومع ذلك لم يكن لتأثيرها نظير.في الفنون التشكيلية والأدب والمسرح، لكن العلوم وتحولاتها المذهلة هي التي غيرت الحياة والمفاهيم الاقتصادية الإنتاجية،وكانت العامل الحاسم في تطوير القوة الصلبة إلى قدرة جبارة على التوسع عالمياً. معنى ذلك أن القوة الناعمة القائمة على منهجية عملية، أسست لقيام القوة الصلبة، التي جعلت القوة الناعمة بدورها تنتشر وتفرض وجودها عالمياً.تماماً مثل نظام الفيزياء، فالطاقة تتحول إلى مادة وتنشئ المادة، والمادة تتحول إلى طاقة وتنشئ الطاقة.
في العالم العربي ظهرت طاقة عصر النهضة، ولكنها لم تتحول إلى مادة حضارية. من دون قسوة على تاريخنا الحديث، غير الحديث عملياً، ظلت الأفكار النهضوية نهضة كلامية، لم تقم عليها نهضة علمية تتجسد في اقتصاد مقتدر يشيد صناعات منتجة،مدنية وحربية. كانت الأفكار لا تُشترى بدانق عند أصحاب القرار. لم توضع برمجة سياسية، ولا تخطيط اجتماعي، ولم يفكّر السياسي حتى في ضرورة محو الأمية. غياب الفكر في الأوساط الدينية المحافظة، حال دون تجديد الفكر الديني وتطوير الخطاب الديني. التنمية الشاملة وقاية ضدّ التطرف.
من الصعب الاهتداء إلى العلة التي جعلت العقل العام أو العمومي العربي، غير قادر على ربط النظري بالعملي، ووصْل الفكرة بالإنجاز. من العسير تحديد العصر أو الحقبة التي حدث فيها هذا الطلاق. البحوث والدراسات لا تحصى، فلماذا لا يُسمع لها صوت أو صدى في مواقع القرار؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الطبية: عند ضعف السمع، يجب فحص الآذان.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى