قضايا ودراسات

اليمن.. حلول أم خديعة؟

هاشم عبدالعزيز
أنهى المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ زيارته لصنعاء من دون إعلان نتيجة في شأن المهمة، التي حملها والمتعلقة بموافقة الانقلابيين الانسحاب من الحديدة من أجل إبرام هدنة إنسانية خلال شهر رمضان.
فشل ولد الشيخ ليس الأول، لكنها المرة الأولى التي تواجه الأمم المتحدة بمسؤولياتها الحقيقية. الفشل ناجم عما قدمه الانقلابيون من مطالب وشروط تعجيزية، ومن ذلك اشتراط رفع الحصار عن مطار صنعاء وتوفير الرواتب، لأن الانقلابيين ما كان بمقدورهم الانتقال إلى هذه الحالة الرعناء والعبثية لو لم تكن الأمم المتحدة ذاتها شجعت هذا الانتقال بعدم التعامل الجدي والمسؤول مع مبادئها ومواثيقها ومع قراراتها تجاه الانقلاب الذي أدخل اليمن دوامة الدمار الكارثية.
تجلى هذا منذ بداية الأزمة في سلسلة المبادرات الأقرب إلى الالتفافية عن إنهاء الانقلاب الذي استهدف اليمن بشرعيته الدستورية ومسار تحولاته التاريخية الذي ارتكز على المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني ذات الآفاق المستقبلية.
من الواجب القول إنه وفي خلال هذه الفترة غير القصيرة من رعاية الأمم المتحدة للتسوية السياسية في اليمن كان الاستثناء مما هو عبثي هي المحطة الكويتية.
ولأن هذا الاستثناء لم يكن في رضا أوساط داخلية وأطراف إقليمية ودولية وبخاصة إيران، كانت التعقيدات عوضاً عن الدعم والتسهيلات، لكنها رغم كل ذلك أكدت من حيث لا يرغب أصحابها على أن خط الكويت التفاوضي والتشاوري يبقى القاعدة والأساس للتسوية السياسية. الإشارة إلى هذا الموضوع لا تأتي من أهميته فقط، ولا من كونه وما زال يستعيد حضوره وحسب، بل إلى ذلك ما جرى في غضون الأيام القليلة الماضية من تحركات ولقاءات واتصالات وتسريب مبادرات مثل: «محاولات ألمانية لاختراق الجمود في الأزمة اليمنية».
في هذا الشأن شهدت العاصمة الألمانية لقاءات ثنائية بين وفود من الأحزاب اليمنية في السلطة الشرعية وأخرى من أطراف الانقلابيين، وجرت تلك اللقاءات على هامش ندوة حول الأزمة السياسية في اليمن. العجيب في الأمر أن ذلك جرى وكما لو أنه من الأعمال السرية، وهو عبارة عن استدعاء ألماني للمشاركين لإحاطتهم بتوجهات هي تخص بلدهم، وهذا ما يؤكده ما تردد في وسائط إعلامية من أن «مبادرة جديدة ستقدم بشكل رسمي من قبل الحكومة الألمانية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لتبنيها»، وبأن الخطة «تقضي بسريان هدنة إنسانية خلال شهر رمضان بالتزامن مع تحرير متبادل للأسرى والمختطفين قسرياً، ورفع الحصار عن المدن، وإتاحة المجال لوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة».
كما تتضمن المبادرة انسحاب قوات الانقلابيين من مدينة وميناء الحديدة، على أن يتولى الحماية الأمنية في المدينة والميناء قوات أمنية يمنية «محايدة» بما يسمح بدخول المساعدات الإنسانية. المبادرة من النظرة العامة بدت خطوة لاختراق الوضع المتصلب الذي ينعكس مأساوياً على حياة الناس من جهة، ومن جهة ثانية يخرج ميناء الحديدة بأهميته الحيوية والاستراتيجية من دائرة الاستهداف جراء استغلاله من قبل الانقلابيين عسكرياً.
لكن من القراءة الأولية تبدو الأمور وكما لو أنها عملية تقسيم للحل والحرب في آن واحد.
إن ما يجري في اليمن لم يعد قابلاً لحسن النوايا، ذلك أن الذين انقلبوا على الشرعية الدستورية وعلى العملية السياسية في فترتها الانتقالية وأدخلوا البلاد والمنطقة بأسرها الدوامة الجهنمية لحروب الدمار وعدم الاستقرار نواياهم واضحة وجلية.
السؤال الآن: إذا كان الانقلابيون رفضوا المضي في خط الكويت للوصول إلى الحلول السياسية الجذرية وهم الآن يرفضون الحلول المرحلية أو الجزئية، فما هي المسؤولية الملقاة على عاتق الأمم المتحدة والأسرة الدولية لمواجهة هذه الحالة الانقلابية التي تسببت بما آلت إلي اليمن من أوضاع كارثية؟
نعم اليمنيون في حاجة ملحة للخروج من مأساة الحرب وكارثيتها، لكن على ولد الشيخ أو غيره إدراك أن ذلك لا يمر عبر مساواة الجلاد والضحية، بل بتطبيق قواعد الحل لإنهاء الانقلاب في الأولوية وهي المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني والقرارات الأممية. أما دون ذلك فإن الأمور ستبقى نفاقاً وخديعة.Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى