قضايا ودراسات

انشغالات صيفية ثقافية

الفصول هي الفصول، والوقت هو الوقت، والناس هم الناس، والاهتمامات تختلف من إنسان إلى آخر بحسب رؤاه وأفكاره وتكوينه الشخصي والثقافي، ومدى استعداده النفسي والذهني للاستفادة من الممكنات والإمكانات والأدوات المتاحة، ومدى ما يرسم لنفسه من خطط يمشي على إثرها مع ما يتوافق وأولوية مشاريعه الثقافية منها أو الاجتماعية أو الاقتصادية،أو ما إلى ذلك من مشاريع تدخل في دائرة اهتماماته وميوله واختصاصاته الحياتية.
على ضوء ذلك كله، عقد فرع اتحاد كتاب وأدباء الإمارات برأس الخيمة ضمن خطة أنشطته وعبر منتداه الأسبوعي (الأربعاء الثقافي) جلسة مفتوحة، بمشاركة نخبة من الكتاب والمثقفين في إمارة رأس الخيمة، بعنوان (هجير الإبداع.. هجير الصيف)، للوقوف على المنجز الثقافي للمشاركين خلال فصل الصيف المتهم الأبدي بالخواء الحسي، والفراغ الإبداعي، لتكون المحصلة الإنتاجية في خضم أشهره وأيامه «صفراً»، الأمر الذي أثار أسئلة حية وحيوية: هل فصل الصيف كسواه من الفصول؟ أم أن له خصوصية غير مقبولة لدى غالبية الناس: حرارة ملتهبة معيقة للإنتاجية المأمولة؟
هكذا مسألة مناخية سنوية كانت محوراً أساساً دارت حوله سلسلة من أسئلة أثارها أهل الاختصاص في الشأن الثقافي الأدبي: إذا كان في الصيف الحار معاناة فإن المعاناة الأكبر تكمن في الإبداع، وعلى المبدع الكاتب معرفة ماذا سيكتب في المستقبل؟ وكيف سيتجاوز ما كتبه في السابق؟ وما الطريقة لكي يكتب موضوعاً ليس مكرراً وليس مبتذلاً؟ وكيف سيبهر ويمتع المتلقي ويقنعه في آن واحد؟ الأمر الذي يدفعه إلى إعادة النظر بما يكتب مرات ومرات.
تلك أسئلة ثقافية إبداعية مفصلية تحيط كل مبدع حقيقي وتؤرقه، ليس في حقل الإبداع الأدبي فحسب، بل في المجالات الثقافية المختلفة الحقول، فالسينمائي الوفي لتراثه والمتواكب مع متغيرات العصر يحرص على توثيق مآثر الماضي وجوانبه المضيئة عبر أفلام تسجيلية وثائقية تضيء للأجيال تاريخ الآباء والأجداد بما يحفظ مناقبهم وآثارهم. والتشكيلي الفطن يعمل بريشته على توثيق التراث المادي بلوحة يزاوج فيها بين ما هو تراثي بحت ورؤية عصرية لذلك التراث، مع عدم إهمال الجانب الفني الحداثي الذي يرى فيه روحه الإبداعية، فمثلما المشهد الثقافي التشكيلي بحاجة إلى لوحات توثق الماضي، فإنه بحاجة أيضاً إلى منتج فني تشكيلي عصري حداثي وما بعد الحداثي.
تلك أسئلة مثيرة للانتباه، خلصت إلى نتائج صيفية ثقافية حققها المشاركون في صيف هذا العام عبر مشاريع إبداعية تم الإفصاح عنها في تلك الجلسة الثقافية الثرية بالوعي والإدراك: مخطوطات في الحقل النقدي (الشعري والمسرحي)، أعمال شعرية كاملة لمجموعة من رواد شعراء قصيدة النثر الإماراتية التي ثبتت أقدامها منذ زمن وأثبتت حضورها منذ ثمانينات القرن العشرين، مشاريع سينمائية تسجيلية توثيقية، تحضيرات علمية لنيل شهادات دكتوراه في حقول أدبية منوعة، ورش عمل مختلفة الجوانب للفئات الطلابية، وسفر في بيئات خارجية للإحاطة علماً ودراية بتراث الشعوب وبيئاتهم الثقافية والتراثية المختلفة..

عبدالله محمد السبب
a_assabab@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى