قضايا ودراسات

بحوث التغريد العربي

عبد اللطيف الزبيدي

تخيّل مركز بحوث من الطراز الرفيع، أعضاؤه أهل منهجيّة وموضوعيّة وبحث علمي نزيه، عقدوا العزم على دراسة ردود أفعال العرب في وسائط التواصل في الأزمات.
أمام النخبة كمشة عشوائية من عشرة آلاف تغريدة. بعد قراءة مئة نموذج، أشار أحدهم، بحركة نبذ من يده: لا تنحدروا بنا إلى هذا المستوى من التهاوش البذيء. قال مدير البحوث: الموضوع أهم مما تتصورون، فالجهات العليا المتعددة، طلبت هذه الدراسة لتبني عليها الخطط المصاحبة للمخططات حاضراً ومستقبلاً، وهي على حق، لأن للارتجال عواقب وخيمة. صحيح أن الرأي العام لا يساوي سنتاً في نظر النظام العربيّ، لكن في برامجنا السياسية، الرأي العام العربيّ هو الأساس، هو الماء العكر الذي نصطاد فيه. يجب أن نطمئن إلى أن الشعوب منصرفة عن القضايا الأساسية إلى المهاترات، تماماً مثل الألعاب السحرية، النجاح هو في صرف الأنظار عن حقيقة ما يحدث. قال آخر: وأين النزاهة إذاً؟ قال: النزاهة في البحث الذي يعطي الجهات العليا الصورة الصادقة، لكي تنفّذ خططها «وفي بطنها بطيخة صيفي».
عضو آخر نبّه إلى مسألة محورية: لن تكون الدراسة كاملة متكاملة، أيها الزملاء الأعزاء، إذا حصرناها في الجوانب الاجتماعية والنفسية، لا بد من التنقيب عن الثغرات الأساسية في مناهج التربية والتعليم العربية، التي تغرس في أدمغتهم العشوائية في التفكير، اللامنطق واللاعقلانية والارتجال، والقابلية لتشتيت الذهن. قال المدير: رائع، أنت أثرت قضية بالغة الأهمية، وأوحيت إليّ بضرورة الاستعانة بزملائنا الخبراء في تاريخ العرب وتراثهم. على هؤلاء البحث عن تفاصيل الميراث، في الأشعار والأمثال وقصص الوقائع، التي أدت إلى فتن مديدة، كإلقاء قشرة موز لشخص فيؤدي الأمر إلى التطاحن سنين. ألا ترون أن حفنة التغريدات التي سمعناها برهان قاطع على هياج الغرائز، بينما حقائق الأزمات في أماكن أخرى بعيدة؟ هل تذكرون كيف كانت «الدوشة» في مدريد، بينما المفاوضات المثمرة جدّاً كانت في أوسلو؟ الألعاب السحرية لصرف الأنظار جوهرية في التخطيط السياسيّ المتقن. سألخص لكم مسار البحث: الجانب النفسي: سرعة الانخداع لكون الاعتداد بالنفس ليس قائماً على إرادة الفهم والتحليل وهذه تربية غريزية. الجانب الاجتماعيّ: الفردية تورث التفكك الاجتماعيّ. الجانب التربويّ: لديهم تعليم وليس لديهم تربية. الجانب التاريخيّ: مساوئ التراث هي الأكثر تأثيراً وفعلاً.في المحصّلة يؤدي كل ذلك إلى هوّة سحيقة بين أصحاب القرار والشعوب.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستدراكيّة: نسي المدير والأساتذة أنه من بين كل ألف تغريدة، واحدة فقط ناجية من الأخطاء اللغوية.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى