قضايا ودراسات

بريطانيا تتغير

صادق ناشر
لم تنجح رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، في الحفاظ على الأغلبية في البرلمان، التي كان يتمتع بها حزب المحافظين الذي تترأسه، بعدما خسر نحو 13 مقعداً، وإن كان حافظ على الصدارة في الانتخابات التي جرت الخميس الماضي، في وقت أضاف حزب العمال بقيادة جيريمي كوربن 30 مقعداً إضافياً إلى حصته السابقة، ليكون بذلك أكبر الرابحين من الانتخابات، التي جرت على وقع العمليات الإرهابية التي اجتاحت البلاد مؤخراً، وأدت إلى مقتل وجرح العشرات من سكان لندن ومانشستر.
بالنتائج المعلنة حصل حزب المحافظين على 318 مقعداً، مقابل 331 حصل عليها في الانتخابات الماضية، فيما حصل حزب العمال على 261.
وقد أرغمت هذه النتائج رئيسة حزب المحافظين تيريزا ماي على الإسراع في عقد صفقة مع حزب الاتحاد الديمقراطي، من إيرلندا الشمالية، الحاصل على 10 مقاعد، لتشكيل حكومة ائتلافية، وحصلت على ضوء أخضر بذلك من الملكة إليزابيث، التي منحتها الإذن في تشكيل الحكومة الجديدة.
بالطبع لن يكون مريحاً للمحافظين تشكيل حكومة ائتلافية، لكن ذلك يعتبر أقل الأضرار، فحزب العمال كان يتحفز لتشكيل الحكومة الجديدة بتحالف مع أحزاب أخرى، وإرغام المحافظين على الخروج إلى المعارضة، ومثل هذه الخطوة كانت ستشكل ضربة للمحافظين في الانتخابات المحلية المقبلة.
لن تتغير كثيراً سياسة المحافظين في المرحلة المقبلة، لكن المفاوضات التي ستجريها بريطانيا من أجل الخروج من الاتحاد الأوروبي لن تكون مريحة لهم، فالقرار لم يعد في يد حزب بمفرده، بل صار في يد حكومة ائتلافية، ومن شأن هذا أن يعيق معالجة الملفات العالقة في هذه القضية.
ويبدو أن تيريزا ماي، التي كانت ترغب في الحصول على تفويض أكبر لتكون قادرة على تنفيذ مشروع حزبها في مفاوضات «بريكسيت»، ستكون مكبلة بقيود عدة، وفق نظرة ورؤية الحكومة الائتلافية الجديدة.
إضافة إلى قضية «بريكسيت»، تبدو الأزمة التي تعاني منها بريطانيا من جراء استمرار الأعمال الإرهابية، الأخطر في تاريخ البلاد، فبريطانيا لم تمر عليها موجة إرهابية كالتي تعيشها اليوم، والأمر لا يتعلق بحادثة معينة ولا بحادثة ذات طابع آني، بقدر ما صارت نقطة تحول في المجتمع البريطاني نفسه، الذي امتدت الأزمة إليه، بعدما اكتوى بنار الإرهاب، وبات مقتنعاً أن القوانين المتبعة في البلاد لم تعد قادرة على زجر الإرهابيين ومنعهم من تنفيذ عملياتهم الإجرامية في مناطق مختلفة، بخاصة أن معظم من نفذ هذه العمليات يحملون الجنسية البريطانية وينتمون إلى بلدان أجنبية عدة.
لا شك أن نتائج الانتخابات حملت في نهاية المطاف انقسام البريطانيين، وستكون لهذه النتائج تداعياتها خلال الفترة المقبلة، التي قد تعيد فيها الحكومة النظر في مفهوم الحرية وحقوق الإنسان في الدولة التي تتباهى بكونها واحدة من قلاع الحرية في العالم، لكن الأمن قد يتقدم على الحقوق والحريات، إذا ما تصاعدت العمليات الإرهابية مستقبلاً، فبريطانيا اليوم لم تعد كما كانت في السابق، ذلك أن الإرهابيين اختطفوا أحلام الناس في الأمن والاستقرار إلى دروب الخراب والدمار.

Sadeqnasher8@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى