قضايا ودراسات

بعد تحرير الموصل

د. حسن مدن

نهنئ الشعب العراقي الشقيق ونهنئ أنفسنا باستعادة مدينة الموصل من قبضة تنظيم «داعش» الإرهابي، وإلحاق الهزيمة بعصاباته التي أذاقت المدينة ومن فيها الويلات خلال ثلاث سنوات، ونحيي التضحيات الجليلة التي قدمها العراقيون من أجل تحقيق هذا النصر الكبير، فلولا دماؤهم الغالية ما كان بالإمكان هزيمة الإرهاب في المدينة المكتظة بالسكان، الذين حولتهم عصابات «داعش» إلى دروع بشرية لمنع تقدم قوات الجيش العراقي.
تعود بنا الذاكرة إلى ثلاث سنوات مضت، حين صُعق العراقيون وأشقاؤهم بسقوط مدينة بأهمية الموصل في أيادي التنظيم الإرهابي، مستفيداً من سوء الإدارة وفسادها ومن تقاعس القادة العسكريين الميدانيين الذي سلموا المدينة، وكان حرياً يومها بنوري المالكي أن يظهر على التلفزيون معتذراً من الشعب والجيش في العراق، ويقدم استقالته ويعلن اعتزاله للعمل السياسي بصورة نهائية، ولكنه لم يفعل شيئاً من كل هذا، وظلّ متمسكاَ بالسلطة بالأنياب والأظافر حتى آخر لحظة، وما زال يتربص الفرص للعودة إليها.
اليوم تعود الموصل حرة، تستنشق هواء الحرية مجدداً بعد أن دحرت «داعش» فيها، لكن «داعش – الفكرة» لم تمت بهزيمتها هناك، ولن تموت ما لم يمض العراق وكل البلدان العربية المبتلاة بهذا الوباء، وكامل منظومة الأمن العربي، في معناه الاستراتيجي الشامل، لا في تدابيره القسرية، بسد كل المسارب والمسالك التي يأتي منها الإرهاب فكراً في البداية قبل أن يتحول إلى ممارسات وحشية ذاق منها العراقيون والسوريون والليبيون وسواهم من شعوبنا الأمرين.
الإرهاب كفكرة متغلغل في المناهج الدراسية التي تُلقن للتلاميذ والشباب، وشبحه يطوف في فصول المدارس ومدرجات الجامعات، وهو موجود في خطاب صف طويل ممن يطلق عليهم زوراً وبهتاناً لقب «الدعاة» الذين يصعدون منابر الخطابة كل أسبوع، لا بل وكل يوم، ويطلون من على شاشات التلفزة، يبشرون بهذا الإرهاب وإن بعبارات منمقة.
هؤلاء ممن وجهوا تحايا الإعجاب والثناء ل «إخواننا المجاهدين» في العراق وسوريا، وبشروا بالسقوط الوشيك لبغداد في أياديهم، لم يختفوا، وما زالوا يمارسون تجارة التحريض على الإرهاب بتزيين فكرته تحت لافتة الجهاد، وهو أبعد ما يكون عنه فكراً ومنهجاً، فهذه التجارة مصدر استرزاق لهم لا ينضب، غير آبهين بأرواح من يزجون بهم في أتون الموت العبثي، في عمليات تستهدف مدنيين أبرياء، فيما يرفلون هم وأبناؤهم في النعيم والرفاه.
صحيح التوجه نحو تجفيف منابع الإرهاب، منابع التمويل والدعم المالي والمادي الذي يصل الإرهابيين من أنحاء شتى، وتباهى برلمانيون خليجيون من «الإخوان المسلمين والسلفيين» في فيديوهات مصورة بتسليم تلك المبالغ إلى عصابات التكفير والقتل، لكن لا يقل صحة وأهمية من ذلك تجفيف منابع الدعم «الفكري» الذي ينطلق من المنابر والمدارس والمعاهد.

madanbahrain@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى