قضايا ودراسات

بكين وملكية بحر الصين الجنوبي

بروس ستينسون *
نشرت الصين مؤخراً «خريطة منطقة» لبحر الصين الجنوبي، تحدد فيها ملكيتها للقسم الأكبر من هذا البحر. ويجدر بأولئك الذين يرفضون المطالب الصينية أن يدرسوا الخريطة بعناية.
مطالب الصين في بحر الصين الجنوبي هي مطالب تاريخية، واستراتيجية، ورمزية. وفي الواقع، الصين أصبحت مطوقة الآن بقواعد صواريخ أمريكية، ليس فقط في أماكن معتادة مثل كوريا الجنوبية واليابان، وإنما أيضاً في بلدان مثل أفغانستان وكازاخستان. وليس مما يدعو للدهشة أن تستاء الصين من هذا التهديد، تماماً مثل استياء روسيا من صواريخ حلف الأطلسي المصوبة باتجاهها انطلاقاً من بلدان محيطة بها.
ولم يكن مستغرباً أن تكون الصين قد عززت تواجدها في مجموعات جزر صغيرة غير مأهولة، وبنت فيها بعض المنشآت العسكرية. وهذا يمكن أن يجعل الشعب الصيني يشعر بارتياح وطمأنينة، إلا أنه لا يدل بأي حال على أن الصين تستعد للقيام بأي مغامرات. وفي الواقع، الصين لديها تاريخ من عدم مهاجمة أو غزو بلدان أخرى – وهذا شيء لا تستطيع الولايات المتحدة ومعظم حلفائها ادعاءه. (قبل حوالي 1000 سنة، دعا التيبتيون الصين إلى السيطرة على التيبت عندما وجدوا أنهم لا يستطيعون حكم بلدهم بسبب نزاعاتهم – وهذه طبعاً قصة أخرى). كما أن الصين دعمت عسكرياً حليفاً لها، هو كوريا الشمالية، خلال الحرب الكورية في بداية الخمسينات، ولكنها قد لا تفعل ذلك ثانية.
وما يجدر تذكره هو أنه من بين الحضارات القديمة الثلاث العظيمة التي دامت أمداً طويلاً – وهي الصين ومصر وأمريكا الجنوبية (ممثلة بحضارات الأزتيك، والفراعنة، والمايا، والإنكا) – والتي أعطت البشرية الكثير في مجالات العلوم والهندسة والفنون، فإن الصين هي الوحيدة التي عادت وبرزت كقوة عالمية.
وقلائل فقط في العالم يعرفون أن حكومة الصين الوطنية (المتحالفة مع الغرب والتي أصبحت الآن تايوان) هي أول من نشر الخريطة المنقطة، وكان ذلك في العام 1947. وتعكس هذه الخريطة حوالي 2000 سنة من التاريخ.
ومهما يكن رأيكم في الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي، فقد تعامل بصورة حكيمة مع نزاع بلاده مع الصين حول ملكية جزر في بحر الصين الجنوبي، إذ ركز على ضمان حقوق صيد لشعبه، وعقد صفقات تجارية بمليارات الدولارات مع الصين. ومن يبالي بشأن بضع جزر غير مأهولة وبشأن منشآت عسكرية تبنيها الصين في تلك الجزر؟ وإذا ما أرادت الصين يوماً قصف الولايات المتحدة أو أستراليا بصواريخ نووية، فهي لن تفعل ذلك انطلاقاً من بحر الصين الجنوبي – حيث لديها منشآت أكثر تطوراً بكثير في البر الصيني.
وقيام الولايات المتحدة بإرسال حاملات طائرات وسفن حربية أخرى للإبحار في جوار تلك الجزر، بهدف تأكيد موقف رافض لمطالب الصين ليس سوى تبجح، وهو لن يخدم أي هدف مفيد. وعلى كل حال، هل من المعقول أن تعيق الصين حركة الملاحة البحرية في هذه المنطقة التي يمر عبرها القسم الأكبر من صادراتها ووارداتها؟.
بفضل بصيرة الزعيم الصيني دينج شياو بينج (الذي قاد الصين خلال 1978 – 1992)، نقلت الصين شعبها (حوالي 1،4 مليار نسمة اليوم) من أوضاع كارثية إلى ازدهار مطرد خلال أقل من 60 سنة. وما من بلد في العالم ينتج اليوم أصحاب ملايين ومليارات بالمعدل الصيني.
وبدلاً من أن تشن الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون هجمات خطابية سخيفة، يجدر بهم أن يتحاوروا ويتعاملوا مع هذا البلد العظيم بكل الطرق الممكنة.
وفيما يتعلق بالشيوعية الصينية، فهي نسبية. وحسب الكاتب والموسيقي والمنتج السينمائي الأمريكي ميل بروكس، فإن الشيوعية لا يمكن أن تتأصل إلا عندما «يثور الفلاحون». وعندما كان الناس في روسيا القيصرية وصين شيانج كاي شيك، مسحوقين وجوعى، فإن فكرة تقاسم الثروات على قدم المساواة كانت مغرية.
والنظام الشيوعي لا ينجح فعلاً، ولكن الديمقراطية أيضاً ليست بالنظام الأمثل. فهل الناس أفضل حالاً في الولايات المتحدة؟. اسألوا ملايين الفقراء هناك، واسألوا أيضاً الملونين الذين يعانون العنصرية.
* كاتب ومعلق أمريكي – موقع «كاونتر بانش»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى