بيان شعري
أصدر ثلاثة شعراء أردنيين:.. مهدي نصير، نضال القاسم، سلطان الزغول، الجمعة الماضية، بياناً شعرياً أطلقته «حركة شعراء نيسان»، وكما هو ملاحظ هؤلاء الشعراء هم مؤسسو هذه الحركة.
من الصعب تلخيص البيان في مقالة، فقد جاء في حوالي الألفي كلمة، ولكن باختصار شديد يدعو البيان إلى أن يمتلك الشاعر الرؤية التي تمكنه من تفكيك الظواهر والأحداث وإعادة توظيفها في سياق نصه، وأشار البيان إلى أن لغة الشعر لغة إشارة وتكثيف، وأن لغة النص الشعري لغة مكثفة تعبر الوعي إلى اللاوعي «.. لتشكل فرادتها وتميزها..»، ويرى البيان أن ثمة صلة عضوية بين الشعر والأسطورة والموسيقى، وترى «حركة شعراء نيسان»= بحسب البيان= أن قصوراً تاريخياً وثقافياً شاب تقييم عروض الخليل وتفاعيله، وجاء في البيان.. «.. نحن أبناء ثقافة قُتِلَ آباؤها، وتركت عارية على قارعة الطريق..»، وفيه أيضاً.. «.. الشعر فعل خلق جديد، وهو جزء من حركة الطبيعة والتاريخ للاستمرار والتطور ومواجهة الموت والخراب..»، ويربط البيان بين الشعر والسرد.. «.. حاضنته التي ينمو فيها ويتنفس منها..».
هذا بتكثيف شديد بعض محتوى البيان، الذي من المتوقع أن يفتح باباً واسعاً للحوار الثقافي في الساحة الأدبية الأردنية نحو الشعر وثقافته وطريقة الرؤية إليه.. ولي هنا هذه النقاط التالية من باب التعليق:
أولاً: من الجميل أن خلا البيان تماماً من التسييس، والتعصب لشكل شعري في حدّ ذاته، وما فهمته هو الانفتاح الحرّ على الكتابة من دون قيود أو مصادرات نظرية أيديولوجية.
ثانياً: أشار البيان إلى نقطة علمية مهمة وهي عروض الخليل بن أحمد الفراهيدي، الذي كما قالت الحركة.. «أسس نموذجاً رياضياً دائرياً استطاع تفسير جزء مما تحقق من الفاعلية الشعرية العربية حتى عصره..» وهذا صحيح تماماً؛ بل، هذه هي المرة الأولى التي يلتفت فيها بيان شعري إلى الخاصية العلمية الرياضية في عروض الخليل.. تلك الثقافة الوزنية والإيقاعية والموسيقية التي يجهلها= للأسف= الكثير من الشعراء العرب.
ثالثاً: الشعراء الثلاثة الموقعون على البيان اثنان منهم نقاد لهما تراث محترم ومقروء في هذا السياق: «سلطان الزغول، ونضال القاسم» والنقد الأدبي بأدوات علمية ومصطلحات مولودة من رحم القصيدة العربية نفسها هو مكسب للشعر ومنصة ثقافية له.. أي أن الشعر في هذه الحالة قبل النقد وليس بعده، ومن المهم أن يكون بعده بلغة نقدية صافية منقطعة انقطاعاً كلياً للشعر.. من دون انحيازات طالما عانينا منها.
رابعاً: يفهم من البيان أنه بيان شعري عربي، وليس محدوداً في البيئة الثقافية الأردنية.. ما يجعلنا نأمل أن نشهد قريباً دوائر شعرية خضراء بعد أن رميت هذه الحصاة النيسانية في الماء الآسن.
يوسف أبولوز
y.abulouz@gmail.com