قضايا ودراسات

تأسيس العنف من التطرف إلى الإرهاب

ثمة مجموعة تحديات باتت تفرض نفسها على منظومة الأمن في الوطن العربي، ومن بين هذه التحديات بروز ظاهرة تضخم بعض الجماعات المسلحة المتمترسة خلف رايات دينية، أو طائفية، أو قبلية، في بعض مناطق الدول العربية. برزت هذه الظاهرة بوضوح من قبلُ في أفغانستان، ثم استفحلت في العراق، وها هي اليوم تنسج خيوطها بوضوح في المشهد الليبي. ففي بعض المناطق؛ ثمة مجموعات مسلحة تنتهج العنف، متذرعة بأنها امتداد لتيار وطني حرّ ومستقل، لم يمنعها هذا الزعم من أن تكون عابرة للحدود، فتسللت داخل الأراضي المصرية الشهر الماضي، وكمنت لمجموعة من الأقباط الأبرياء في إلمنيا بصعيد مصر، حيث أطلق هؤلاء المسلحون النيران، على حافلات تقل أقباطاً، في الطريق المؤدي لدير الأنبا صموئيل بمدينة العدوة بإلمنيا.
وفي يوم الجمعة 7/7/2017، عادت سيناء لتصبح في مرمى «داعش» عبر سلسلة هجمات على نقاط عسكرية أوقعت عشرات الضحايا بواسطة سيارات يستخدمها المتطرفون في عملياتهم الإرهابية، وقبل يومين ضرب الإرهاب داخل مصر مستهدفاً نقطة عسكرية في الجيزة، ما أدى إلى استشهاد ستة عناصر من القوى الأمنية. هذه الهجمات الإرهابية التي تقوم على إيديولوجيا تعتمد القتل والتفجير والتصفية البشرية واستباحة دماء الأبرياء منهجاً ومسلكاً.
هذا الإرهاب القبيح يمضي مقتلعاً كل ما في طريقه، قاضياً على الأخضر واليابس، ثم يمعن في غيّه فيأخذ أبعاداً جديدة، مموهاً بصيغة، أو أخرى، عن وجهه السابق، يمضي مموهاً غامضاً ملتبساً، ينشر القتل والظلم، يزرع الأرض جراحاً، يرويها بدماء القتلى الأبرياء، فتنبت الجراح آلاماً تدمي القلوب المكلومة، وتنشر الخوف والهلع في نفوس الآخرين.
وهذا ما أقدم عليه المتطرفون، عندما قتلوا، بدماء باردة، الأبرياء الذين لا ذنب لهم في الحياة، إلّا أنهم كانوا غنيمة باردة لهؤلاء القتلة الذين تجردوا من إنسانيتهم، مستعذبين القتل والدماء، وكأنهم وحوش جائعة لا يرويها إلّا إراقة الدماء، يطلقون الرصاص في هستيريا أقرب إلى الجنون، حيث لا منطق ولا عقل، فقط هدفهم تحطيم كل مبادئ الخير والعقل الأخلاقي والجمالي للأمم والشعوب، في تاريخ الوعي العام، بارتكاس صيرورة الزمن الإنساني المحكوم بنيته السوسيولوجية، بالسكون، وتباطؤ الحراك، واتساع الكراهية كسيرورة ارتدادية، بمنظار تنازلي يعبر عن توالي الانحطاط والتخلف والحقد والكراهية. في حين أن الإنسان، بالفطرة، يطلب ملاذاً ضد الجهل والعبث والانحطاط، كما يطلب العزم المتجابه بضراوة مع محن الزمن الدامية، محاولاً القضاء على العتمة والظلام على ضوء الشعلة التي يحملها للقضاء على الظلام المهيمن على حوافي الزمن العربي.
على الرغم مما حققه الإنسان من تقدم على جميع المستويات المادية والفكرية والعلمية والثقافية والاجتماعية والسياسية، إلّا أن ظاهرة التطرف والإرهاب تظل بقعة سوداء تصفع وجه الحضارة الحديثة. وتسهم في اتساع تلك البقعة السوداء موجات التضليل الإعلامي التي تُسهم في تزييف الوعي، وطمس الحقائق لخدمة أهداف سياسية معينة، ما يذكي التطرف والإرهاب، ويروج قناعات تضرب بجذورها في غياهب الجهل والتخلف.
فعندما يتم عرض وبث وجهة نظر المتطرفين، وتقوم محطات تلفزيونية باستضافة من يُطلقون عليهم، زوراً، أهل الاختصاص ممن يُسمون المحللين السياسيين، وليس لديهم العمق الفكري والتحليلي المطلوب، ما يجعل معالجة الحدث حائرة بين التهوين أو التهويل، وأحياناً الإشادة، من خلال هذه التحاليل، بأفكار المتطرفين، من دون إدراك أن العنف بكل أنواعه، عمل مقيت بغيض ينم عن نفسيات مريضة واختلال في الذات البشرية. فلا توجد مبررات، أياً كانت، لأن يقوم شخص بالقتل والعنف تجاه آخرين، وهناك قول مشهور ل «ناوتو كان» رئيس وزراء اليابان السابق «من يتسبب في الآلام للآخرين، يميل إلى نسيانها بسهولة، في حين أن الذين عانوا لا يستطيعون أن ينسوا» لأن الشر عواقبه وخيمة، وإن بدت فيه مصلحة قريبة خادعة كالسراب. فالظلم، مثلاً، شر وقد يمارسه الظالم طمعاً في مصلحة أو إشباعاً لشهوة نفس، لأن بعض النفوس تميل إلى الشر والظلم.
ومع الأسف يضرب الظلم بجذوره في ثقافتنا العربية، التي أفرزت لنا في هذا العصر نوعية من البشر يعانون السيكوباتية المضادة للمجتمع، وتمارس سلوكيات إجرامية وعدوانية، وتقوم بأفعال عديمة المسؤولية، تصل إلى جرائم القتل، وعدم احترام معتقدات الآخرين وحرياتهم، وعدم التقيد بالمسؤولية.

محمد خليفة
med_khalifaa@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى