«تأمين».. أم إقلاق ؟

فوّاز الشعّار
عَوْد على بَدْء؛ لا يزال موضوع التأمين، الشغل الشاغل لأغلبية الناس، فأمر الاستطباب، والفحوص العاجلة، أو الدورية، من الأولويات، فالصحة كما قيل، تاج على رؤوس الأصحّاء، والمحافظة عليها، ودرء المشكلات عنها، ووقايتها، والعناية بها، ضرورة، لأن غير ذلك يعني التعب والإجهاد والعلل التي لا تنتهي، ولهذه الأمور عقابيل كثيرة، كاستهلاك الدواء، وقلة النشاط، وقلة الإنتاج في العمل، والشعور المستمر بالقلق والنفور واليأس أحياناً.
ولذا يلجأ الكثير من الناس إلى شركات التأمين، سواء عن طريق المؤسسات التي يعملون فيها، أو بشكل شخصيّ، وهناك مكمن الداء، والعلة الكأداء؛ تطلب الشركات مَبالغَ مُبالغاً فيها كثيراً، وليس أمام طالب الخدمة إلا الموافقة، والدفع. تمرّ الأيام ويمرّ العام التأميني كله، ولا يتعرّض المؤمِّن لأيّ عارض يضطره إلى الذهاب إلى أي عيادة أو مستشفى، وتذهب أمواله كاملة إلى خزنة الشركة.. هذا حق فالاتفاق والتعاقد شريعة المتعاقدين. يأتي العام الذي يليه، ويذهب الشخص نفسه إلى شركة التأمين نفسها، فلا تعامله بأدنى نوع من الخصوصية، في مبلغ التأمين، لأنه لم يكلفها فلساً واحداً في العام الفائت، ويدفع ما تطلبه، دون مناقشة.
تمرّ أيام العام، ويتعرّض المسكين لمشكلة صحية، ويضطر إلى إجراء فحوص، وصور وتحاليل، وقد يضطر إلى إجراء عملية، تدفع الشركة الأجور كاملة. لكن.. يأتي العام التالي، ويأتي صاحبنا إلى «شركة تأمينه»، ويفاجأ بأن المبلغ المطلوب منه أكثر مما دفعه بكثير.. روت إحدى السيدات، أنها دفعت خمسين ألف درهم عن عام كامل، واضطرت خلال هذا العام إلى إجراء عملية كلفت أربعين ألفاً، وعندما جاءت لتجدّد تأمينها في العام التالي، طلبت منها الشركة سبعين ألفاً، وحين أبدت اعتراضها، قالوا لها: أنت أجريت عملية وكلفت مبلغاً مرقوماً!!! وردّت: أنا أتعامل معكم منذ ثلاث سنوات ولم أكلفكم فلساً واحداً، فلمَ لم تراعوا هذه الناحية أيضاً؟؟؟ الشركة لم تحرْ جواباً، لكنها أصرّت على المبلغ الذي طلبته، واضطرت السيدة للدفع، فليس أمامها حل آخر.
ماذا يفعل هؤلاء، أمام جشع هذه الشركات الذي لا ينتهي؟ وهل تحوّلت بعض شركات «التأمين» – والاسم مشتق من الأمان والاطمئنان – إلى شركات «إقلاق» وتخويف وحذر وريبة؟
يمكن أن تتاجروا بما تريدون، ويحق لكم أن تسعوا لتأمين أرباح لقاء أتعابكم، كما حددتها القوانين والنظم، لكن أن تتاجروا بصحة الناس، وحيواتهم وأمنهم وسلامتهم، فهو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً، فالمؤمِّن على صحته، لا يذهب إلى المستشفى للنزهة والاستجمام والانتجاع، كلا؛ إنه يذهب مُكرهاً لا بطلاً، فلا رائحة الدواء منعشة، ولا أخذ الإبر أمر ممتع، ولا الاستلقاء على سُرُر المستشفيات، باعث على الراحة والسكينة.
المرجو من شركات التأمين، أن تكون اسماً على مسمّى، فتكديس الأموال على حساب «أمان» الناس يذهب جُفاء.. والنافع هو الباقي.
fawazalshaar27158@gmil.com