قضايا ودراسات

تجارب كوريا الشمالية

مفتاح شعيب
صعدت كوريا الشمالية أزمتها مع المجتمع الدولي بإطلاق صاروخ عابر للقارات زعمت أنه قادر على إصابة أي هدف في العالم، وحملت التجربة رسالة خاصة إلى الولايات المتحدة، وهي تحتفل بعيدها الوطني، لتقول لها إن أي بقعة في الأراضي الأمريكية باتت في مرمى صواريخنا «العبثية»، كما وصفها البيت الأبيض. الرد الأمريكي لم يتأخر، فطلب الرئيس دونالد ترامب من الصين، حليفة كوريا الشمالية، بممارسة نفوذها لوقف هذا السلوك الذي يهدد الاستقرار في جنوب شرقي آسيا، ويلقي بتداعيات خطِرة على الأمن الدولي. وبعد موقف واشنطن، توالت ردود الفعل، فطلبت الصين «ضبط النفس» من جميع الأطراف، وشددت روسيا على ضرورة التفاوض في ملف كوريا الشمالية. وترافق المواقف الدولية المتفاوتة الحدة بموجة إدانات وغضب، كما عمّ القلق كوريا الجنوبية واليابان اللتين تضعهما بيونج يانج مع واشنطن في خانة «الأعداء». وعلى أساس هذه القناعة وضعت عقيدتها العسكرية واستراتيجياتها الحربية. فمنذ بداية العام الحالي استقرت الحالة على توتر متصاعد يهدد بدفع المنطقة إلى كارثة كبيرة إذا خرجت الأوضاع عن السيطرة وتداعت جميع أطرافها إلى المواجهة. والظاهر أن كوريا الشمالية ماضية في خططها، ولا تعبأ بالتحذيرات والدعوات، ولا تريد أن تسمع حتى من الصين، التي تعتبر أقرب القوى العظمى إليها، وروسيا الحليفة التاريخية لها خلال حرب شبه الجزيرة الكورية في خمسينات القرن الماضي، وانتهت بتقسيمها إلى شمال وجنوب، لتظل في حالة هدنة منذ ذلك الوقت دون النجاح في إبرام اتفاق سلام. خلال سنوات قليلة، أجرت كوريا الشمالية خمس تجارب نووية، وامتلكت ترسانة من الأسلحة النووية، وظلت على مدار الأيام تسعى لحيازة صواريخ عابرة للقارات قادرة على بلوغ الأراضي الأمريكية. وقد عملت بهذا التصميم، وكأن الحرب واقعة لا محالة وتجاهلت أي فرضية للبديل، وهو السلام والتعايش مع المجتمع الدولي، فحتى ترامب، الذي يعتبره الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون خصمه، لم يستبعد التفاهم مع بيونج يانج، والحوار حول كل النقاط الخلافية والتهديدات ذات الصلة، لكن يبدو أن قيادة كوريا الشمالية لا تريد الجنوح إلى التهدئة، وتتعمد التهور والاندفاع إلى أجواء شديدة الخطورة، على الرغم من أن كل التجارب التاريخية تؤكد أن أهل هذا النهج هم أول ضحاياه، فالطيش والتمرد على قيم الجماعة لا يحققان النصر في أي معركة. وبالنسبة إلى كوريا الشمالية، يمكن أن تكسب بالسلام ما تعجز عن كسبه بالحرب، مهما أخذتها العزة بما تمتلك من قنابل وصواريخ فقد لا تنفع يوم تندلع الحرب. منطقة جنوب آسيا تقف على حافة انفجار كبير إذا استمرت كوريا الشمالية في تصعيد الاحتقان عبر التجارب الصاروخية والنووية من فترة إلى أخرى. ورغم الدعوات المستمرة إلى «ضبط النفس»، فليس هناك ما يوحي بأن الأوضاع ستتجه إلى التهدئة بسبب عدم التجاوب من جانب كوريا الشمالية. وبقطع النظر عن نجاح تجاربها الصاروخية من عدمها، فإن سياسة التصعيد لن تحقق شيئاً، بل إن تداعياتها ستكون على حساب تطلعات شعوب تلك المنطقة في السلم والاستقرار.
chouaibmeftah@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى