تحليل الحمض النووي السياسي
عبد اللطيف الزبيدي
هل يمكن إغفال الدراسات المستقبلية إذا طُرح مبحث غياب البحث العلمي؟ من الضروري أن تكون حاضرة في كل المؤسسات، للتطوير، وللوقاية والاستباق واستشراف المشكلات قبل حدوثها.
المنهج رائج في الطب، بالفحوص الشاملة والمتخصصة. صار الاستشراف ينطلق منذ الأسابيع الأولى من تكوين الجنين، استباقاً لما يمكن حدوثه بعد عقود، بعد خمسين عاماً. هو ذا مربط الفرس. لن نختلف، على غرار البيضة والدجاجة، في تأسيس البحث العلمي ثم الدراسات المستقبلية أم العكس. النجاح مضمون في الحالتين.
لا وجود لشيء، مادي أو معنوي أو افتراضي، لا يكون عرضة للأدواء. ثمة فيروسات تصيب الأجسام، الجمادية والنباتية والحيوانية. المعنويات والنفس والروح لها فيروساتها الهدامة. العالم الافتراضي هو الآخر له فيروساته التي تدمر البرمجيات وتعطل المكونات الصلبة في الحواسيب.
العالم السياسي يحتاج إلى نظام وقائي فعال، يقظ باستمرار، فاحص دائم الاختبار والمراجعة، لأن له مزارع متعددة، تشملها بيئة التنمية الشاملة، فلا بد من بحوث مستقبلية وقائية استباقية، تخضع بدورها للتحديث المنتظم، مثلما تفعل البرمجيات المضادة للفيروسات التي تستهدف الحواسيب والشبكة العنكبوتية. أليس عجيباً أن كل ما حدث ويحدث للعالم العربي كان سلسلة من المفاجآت، التي أفلتت من رادارات المراقبة والاستشعار؟ النتيجة التحليلية الواضحة، هي أن النظام العربي كان شديد الاقتناع والإيمان بأن كل شيء على ما يرام، وأنه لا حاجة إلى توقع أي عطل أو خلل في المسار العام. في حين أن الفرد يراقب دورياً صحته وسيارته وحاسوبه وسائر شؤون حياته الخاصة، لكن المسرح العام لا يحظى بتطبيق العناية الصحية على سير الشؤون العامة.
قد لا يأخذ الناس على محمل الجد كلام مركز دراسات مستقبلية يرفع شعارات برامج من قبيل: نريد أن نجري تحليلاً للحمض النووي لمناهج التربية والتعليم، لأن العقول التي سيخرجها للحياة العامة قد تصنع مستقبلاً يفتك بسلامة التنمية، لهذا يجب العمل على وقايتها من المفاجآت. نريد أن نخضع الحمض النووي للعلاقات البينية لفحوص يُحسب فيها ألف حساب لكل احتمال سلبي، فتكون اليقظة الرقابية كامنة في قوانين وضوابط استشرافية، تضع في الحسبان حتى الحالات التي يصعب توقعها. رسم حدود السلوكيات ليس تشكيكاً في صدقية الأطراف. تماماً مثل قوانين حركة المرور.
لزوم ما يلزم: النتيجة الزمنية: الأمراض تصبح مجرد أعراض عابرة إذا انطلقت عجلة الطب الاستباقي ولو متأخرة، لأن غسل اليدين من الحلول أسوأ.
abuzzabaed@gmail.com