تخليص العربية من الشحوم
مسائل التربية والتعليم العربية تشبه عش الدبابير.يريد القلم مداعبة موضوع، فيهب ألف مبحث.كأنك أمام ركام تحديات الجامعة العربية. نحن نعشق المعلقات، فالقضايا كلها معلقة: «يا دار مية بالعلياء، فالسند.. أقوت، وطال عليها سالف الأبد».
في شأن العربية، يتساءل عشاقها عن النبأ العظيم:لماذا تنحدر لغة الجيل الصاعد؟ الجواب بسيط، إذا غضضنا النظر عن القضايا الجوهرية، التنمية الشاملة، إنتاج العلوم، اقتدار المجامع ودورها الفعال.بسيط:تدريس العربية بالطرائق الحالية تجاوزه الزمن. اللغويون القدامى غلفوا القواعد بطبقات من القشور لم تعد صالحة لعصرنا. هل يُعقل أن يكون الجاحظ، متقدماً على معاصرينا بأكثر من اثني عشر قرناً؟ أوصى بتعليم الصبيان ما يفيدهم من النحو في حياتهم اليومية، لا أكثر.الباقي كله تعقيدات زائدة. معضلة تعليم اللغة تتمثل في أن الطلاب يقضون حصص العربية في تعلم وظائف المفردات والأدوات والعلاقات بينها، أي النحو والصرف والإعراب، لكنهم لا يتعلمون كيف يكتبون، وما هي جماليات لغتهم، وكيف يحسون بجمالها. لا تزال في التدريس رواسب من الأساليب السقيمة القديمة، كإعراب الشعر. الشعر أساساً لغة مختلفة، إبداعية تكسر التسلسل المألوف في ترابط المفردات والأدوات، بكثرة الإضمار والتقدير، والتقديم والتأخير، والاختزال والترميز، فلا يمكن الحكم عليها بنظام النثر والعلاقات البنيوية في القواعد.ذلك كأن تدرس جمال العيون الساحرة، من خلال إحصاء ذرات الهيدروجين والكربون والبوتاسيوم والحديد التي فيها.هذا إذا تحقق شيء جيد، لكن سيقال لك: «إن الحياة كيمياء، غير أن الكيمياء ليست كل الحياة».
الطالب يتخرج في كلية الآداب العربية، وهو لا يحسن كتابة بضعة أسطر سليمة جميلة، لأن تجربة جمال اللغة لم تكن هي الغاية.جاذبية العربية لم تكن المحور، لهذا لا يقع الطالب في غرامها.ألا تسأل المناهج: ما علة أن يدرس الطالب لغته ست عشرة سنة ويتخرج وهو يتعثر في الكراكيب التي تعلمها.الكليات والمعاهد المتخصصة في الإعلام والصحافة، مسؤولة عن لغة خريجيها، لأن مهمتهم اليومية هي مخاطبة الناس.لقد وصل الأمر إلى عدم معرفة المعاني الدقيقة للمفردات.لم تعد هذه الظاهرة نادرة في الشعر والقصة.البركة في المثل: «إذا عمت المصيبة هانت».
الطلاب أبناء زمانهم، فعلى المناهج أن تخلص جسم العربية من الشحوم والترهل، حتى تكون رشيقة لاعبة جمباز.نظرة المتنبي قديمة:«أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورمُ». نحتاج إلى «آدم سميث» عربي، الاقتصادي الذي أوصى بأن تكون اللغة «خفيفة عملية».
لزوم ما يلزم: النتيجة الطبية: شحوم النحو والصرف مضرة بقلب العربية وشرايينها، ومشوهة لرشاقتها، ننصح المناهج باجتنابها.
عبد اللطيف الزبيدي
abuzzabaed@gmail.com