قضايا ودراسات

تعزيز التعلم باعتباره رحلة طوال الحياة

يوجين كلارك *
يستمر الإنسان في التعلّم ما دام حيّاً، والمسِنّون ليسوا مستثنيْن من ذلك، ويجب توفير تعليم لهم يتناسب مع طبيعة حياتهم وعُمْرهم. وقد تنبهت دول كثيرة إلى ذلك، وأخذت تمارسه، مستفيدة من التطورات في مجال الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات.

أشار ألبرت أينشتاين إلى أن «النمو الفكري للإنسان يبدأ عند الولادة ولا يتوقف إلّا عند الوفاة». ومع شيخوخة السكان في كثير من البلدان، من المهم أن تكرس المجتمعات مزيداً من الموارد، والاهتمام لتعليم المسنين، وهم قطاع من المجتمع، لا يُستهان بحجمه، إذ يقدَّر أن معظم الناس اليوم سوف يقضون ما يقرب من ثلث حياتهم في التقاعد.
ومن المؤسف أن ميزانيات التعليم في معظم البلدان يذهب جلّها للإنفاق على التعليم الابتدائي والثانوي والعالي. وكثيراً ما تهمل الفئتان الواقعتان في الطرفيْن القصيّيْن، التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، والتعليم لكبار السن.
إن تعليم المسنين هو الأمر الأخلاقي الصائب، الذي ينبغي القيام به اعترافاً بالاحترام والتضحيات التي قدّمها المسنون للمجتمع. ومع تزويد المسنين بالتعليم، يُرجّح أن يكونوا أفراداً نافعين للمجتمع، لا عبئاً عليه. وفي بلدان مثل الصين، مع سياستها السابقة المتعلقة بالطفل الواحد، ومع الشيخوخة السريعة للسكان، يعني تعليم المسنين أنهم سيتمكنون من البقاء في مواقع العمل فترة أطول، ويسهمون بطرق عديدة في رفاه المجتمع على العموم.
إن المهم في تعليم المسنين، أكثر من الجانب الاقتصادي، هو الحوار بين الأجيال. فهذا الحوار يبني «رأس المال الاجتماعي» على هيئة قيم متفق عليها، ومعايير ومعتقدات تجعل المجتمع أقوى وتساعد على تغذية ودعم الأجيال الشابة. كما أن تعليم المسنين يساعدهم على البقاء شباباً. وكما قال رائد الأعمال الأمريكي، هنري فورد: «كلّ من يتوقف عن التعلم عجوز، سواء كان في العشرين أو الثمانين من العمر. أمّا مَن يحافظ على التعلم، فإنه يبقى شاباً».
ويجب أن يكون تعليم كبار السن مناسباً للغرض، وأن يتناسب مع السياق المحدد. ويجب أن نراعي في ما نعلّمه، ومَن نعلمه، وكيف نعلمه، احتياجات ومصالح الكبار الذين نفكر فيهم. وقد يشمل ذلك، تركيزاً على القضايا الشخصية مثل الصحة، والتغذية، والاستجمام، ودورات تدريبية من النوع الترفيهي.
وسوف تكون الدورات الأخرى أكثر رسمية، ويكون لها تركيز على المجال المهني، مثل الطهي، وصيانة المنزل، والسباكة، واستخدام أجهزة الحاسوب. وقد يرغب مُسِنون آخرون في بدء مشاريعهم الخاصة. فعلى سبيل المثال لم يبدأ «كولونيل ساندرز»، من شركة «كنتاكي فرايد تشيكن»، هذا المشروع، قبل بلوغ الخامسة والستين.
ومن المخيب للآمال أن النزر اليسير من الإنجازات الأكاديمية التي قام بها الخبراء الأكاديميون حول التعليم والتعلم، كان يتعلق بكبار السن. هذا بينما تحققَ تقدم كبير في العلوم والتكنولوجيا وعلم النفس، وغيرها من المجالات، مع ظهور نظريات جديدة ومثيرة عن الطرق المتعددة للتعلم واكتساب المعرفة، وأفضل الطرق المتاحة لتحقيق النتائج المرجوة من التعلم. وينبغي على المشاركين في تعليم كبار السن التعرف إلى مبادئ تعليم الكبار وتطبيقها. وتركز نظرية تعلم الكبار، على التعلم الموجه ذاتياً في تعليمهم.
وكان للإنترنت على وجه التحديد والتكنولوجيا عموماً تأثير عميق على النماذج التقليدية للتعليم والتعلم. ولكن الطبيعة الدقيقة لهذا التأثير، وكيفية التمكن من مواصلة التحسن، ظلت حتى الآن تعتمد على الحكايات والنوادر، أكثر من الاعتماد على الأدلة والبراهين.
وإحدى حقائق الإنترنت والتجارة الإلكترونية حالياً، أنهما تغيّران معظم جوانب الحياة، وكل ما نقوم به تقريباً، بما في ذلك الطريقة التي يتعلم بها الناس. واليوم، فإنّ المعلومات في متناول الجميع، بسهولة ويُسر، ويتوقع الطلاب المسنون، أن يشاركوا في التعلم الخاص بهم بفاعلية ونشاط. وبذلك، يكون دور معلمهم أقرب إلى المرشد الموجِّه، منه إلى المحاضر الملقِّن.
وفي العديد من البلدان، يقود القطاع الخاص التوسع في التعليم، بما في ذلك تعليم المسنين.
وخلاصة القول، أننا مع إدراكنا لأهمية التعليم في عصر المعلومات، يجب ألّا ننسى كبار السنّ بيننا، لأنهم مورد عظيم، لفهمنا لماضينا، ولتحقيق مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

* أستاذ متميز في كلية القانون المقارن في جامعة الصين للعلوم السياسية. موقع «تشاينا دوت أورج»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى