تفاهمات الضرورة بين مصر و«حماس»
تبدو التفاهمات التي توصلت إليها حركة حماس بواسطة وفدها الرفيع مع المخابرات المصرية، وكأنها بداية مرحلة جديدة في العلاقات المضطربة بين الحركة ومصر، حيث تضمر حماس للنظام المصري العداء منذ إسقاط حكم جماعة «الإخوان». وكانت حماس راهنت طوال الفترة الماضية على تغيير ما في الحكم المصري وعودة «الإخوان» إلى الحكم وارتبطت عضوياً بتركيا وقطر حتى في العمل ضد مصر. لكن لم يحدث أي اختراق على الجبهة المصرية وفشلت تركيا وقطر في إقناع «إسرائيل» بتخفيف الحصار، وعملتا على مشروع ربط غزة بحراً مع تركيا وصياغة مشروع هدنة طويلة الأمد. وأثناء ذلك تفاقمت الأزمة الإنسانية في غزة وبدأت السلطة الفلسطينية تنسحب من تمويل الكهرباء والموظفين المحسوبين على حماس والخدمات الأخرى، ما أدى إلى ضغوط أشد على الحركة التي لم تستطع القيام بواجبها تجاه الناس، بل زادت من جرعة الضرائب دون تقديم خدمات. وفي ظل هذه الأزمة جرت انتخابات حماس الداخلية ووجد التيار القطري -التركي نفسه مهزوماً أمام تيار يحيى السنوار الذي ينظر للأمور نظرة مغايرة لما يراه من حوله، لأن السنوار يعيش الأزمة في غزة ووجد أن العلاقة مع مصر بحاجة إلى تصحيح جذري لأن مصر بحاجة إلى جهود حماس على حدودها التي تشكل تهديداً أمنياً، إذ كانت غزة ملاذاً للإرهابيين إلى سيناء، وكانت مصر تطالب بتسليمها عدداً من المطلوبين الفارين إلى غزة وكررت هذا الطلب مراراً لقادة حماس من قبل. وعندما زار السنوار القاهرة فوجئ رجال المخابرات المصرية عندما طرحوا مسألة الفارين إلى غزة بالسنوار يقول إنه لم يسمع بهذا الطلب من قبل، بمعنى أن القيادة السابقة لحماس لم تكن تهتم بالمطالب المصرية. وبدأ السنوار جاداً في التعامل مع مصر لأنه بحاجة إليها. بل إن قطر التي أغضبها هذا التقارب حاولت إجهاضه دون جدوى، أما تركيا التي تناهض الحكم في مصر فقد ابتلعت الأمر من منظور الضرورات الخاصة بحماس، بمعنى أن حماس تمر بضائقة تهدد وجودها في غزة وأن انفتاحها على إيران ومصر وحتى النظام السوري يدخل في باب التقية الذي انتهجته دوماً حركة «الإخوان المسلمين». فالتفاهمات مع مصر هي ملحق طبيعي لتفاهمات تيار دحلان مع السنوار.
لكن الجانب المصري يصر على أن العلاقة مع حماس يجب أن تكون مقرونة بالمصالحة الفلسطينية وحل اللجنة الإدارية وبدء حوار مع فتح لتنفيذ اتفاق المصالحة وهو ما أعلنه المصريون وقادة حماس. فالوضع بين غزة ومصر من حيث التبادل التجاري وفتح معبر رفح بشكل طبيعي مرهون بالمصالحة، وإلا فإن مصر ستكون كمن يدعم انفصال غزة عن الضفة، وهو ما ترفضه مصر دائماً. كما أن مصر لا تريد أن تكون في موضع الاتهام في الأزمة الإنسانية التي تسببت بها حماس في غزة.
إذاً، فالتفاهمات جاءت نتيجة للضرورات المتبادلة بين مصر وحركة حماس. فمصر تريد أمناً على حدودها، حيث بدأ تنظيم «داعش» في غزة يظهر كقوة جديدة على الساحة جاذباً عناصر متفاوتة من حماس والجهاد والتيار السلفي ويعمل لاختراق الحدود باتجاه سيناء، وإطلاق الصواريخ على مستوطنات الاحتلال في محاولة لخلط الأوراق مجدداً. وفي مثل البيئة المحيطة في المنطقة تحاول حركة حماس الانطلاق من عزلتها وحصارها بعد الأزمة القطرية بخلطة عجيبة تضم المتناقضات. فهي تريد تجديد تحالفها مع إيران و«حزب الله» رغم أن عناصرها قاتلت في القصير ومخيم اليرموك، وتريد الإبقاء على علاقاتها الاستراتيجية مع قطر وتركيا وفتح صفحة جديدة مع مصر، وهي خلطة عجيبة لا تملك مقومات الديمومة. فالأصل أن تفتح صفحة جديدة مع السلطة الفلسطينية بتنفيذ المصالحة، لأنها مفتاح الحل لأزمة غزة وللأزمة الفلسطينية ككل. ولا يمكننا مع ذلك الحكم على صدق النوايا من عدمه إلا بعد بدء حوار لتنفيذ المصالحة الوطنية في القاهرة، فالتجاذبات الإقليمية في المنطقة تتغير بموجبها المواقف بين ليلة وضحاها والأزمات المتراكمة في المنطقة والعالم باتت تهمّش العنصر الفلسطيني، ربما لأن الانقسام همّش الفلسطينيين وأثر سلباً في تماسك القضية.
حافظ البرغوثي
hafezbargo@hotmail.comOriginal Article