قضايا ودراسات

تقطيع الشعر ليس عربياً

مع بداية السنة الدراسيّة، أراد القلم تقديم هديّة إلى بناتنا وأبنائنا دارسي اللغة العربية وأدبها، تحديداً بحور الشعر عروضاً وقوافي. الهديّة نفسها صدمة غير سارّة لواضعي المناهج. المبحث هو تقطيع الموزون. لا شك في أن الخليل أسدى خدمة جليلة فريدة إلى تراثنا بتصنيف البحور. لكن التقطيع ليس عربيّاً إطلاقاً، ولم يُخلق للشعر العربيّ، الذي يقوم إيقاعه على التفعيلة كوحدة إيقاعيّة، لا على مقاطع الأصوات. الاختلاف جوهريّ، والتمادي في تعليمه استمرار في قبول خطأ خدع كل الأجيال الماضية.

كيف يمكن أن تحسّ بالإيقاع حين تقطعه؟ العروضيّون لا يدركون أن الإيقاع جزء لا يتجزّأ من الموسيقى. عُد إلى الأساس: هل تعلّم شعراء الجاهليّة تقطيع الشعر أوّلاً ثمّ قالوه؟ سامح الله الخليل، الذي أخذ هذه الطريقة عن الهنود، وشعرهم غير تفعيليّ، وادّعى أنه رآها في المنام. حُلمه كان كابوساً لأذواق الأجيال. الآذان العربيّة الأولى استوحت الإيقاعات من موسيقى البيئة كخبب الخيل، لا من الأدب. تاريخ أدبنا لم يلحظ التناقض الفظيع بين الإيقاع الموسيقيّ للتفعيلة وبين التقطيع إلى مقاطع صوتيّة. طريقة التقطيع غير عربية إطلاقاً، لأن الشعر العربيّ قام منذ تشكل بحوره على التفعيلة، لا على المقطع الصوتيّ. التفعيلة وحدة إيقاعيّة أي «مقياس، ميزان، مازورة» باللغة الموسيقيّة. المقطع الصوتيّ كوحدة حساب هو ما يسمّى في شعر الفرنسيين والإنجليز ومن شاكلهم من الشعوب: القدم(بْيِيه بالفرنسية، فوت بالإنجليزية). مقياسنا في إيقاع الأوزان: «فاعلاتن، مستفعلن، فعولن إلخ، وليس: فا، ع، لا، تن؛مسـ، تف، ع، لن إلخ. أوزاننا تفعيليّة، تنقسم إلى وحدات متكررة. تماماً مثل تكرار مقياس الإيقاع في موسيقانا «المصمودي الكبير»، أو «الفالز».
لو عدنا بآلة الزمن إلى شعراء الجاهليّة، وسألنا عنترة تقطيع شعره لوقع مغشيّاً عليه، أو لشهر سيفه وعلّم السائل فنّ تقطيع الأوصال. الأذن الإيقاعيّة الموسيقيّة هي التي أبدعت أفانين التفعيلات، وهذه وحدات قياسيّة مقياسيّة مختلفة تماماً عن الحساب بمقاطع الأصوات الذي يحكم شعر لغات لا تحصى. محال أن يحسّ الطالب بجمال إيقاع المنسرح «مستفعلن مفعولاتُ مفتعلُ» بوساطة التقطيع. وزن الخبب مجعول لتسمع منه الخيل. قد يبدو الكلام ثقيلاً إذا قيل لأساتذة العروض والقوافي: إنكم تعلّمون الأبرياء أشياء لا علاقة لها بالعرب ولا بالعربية. عودوا إلى رشدكم. لا وجود لحساب «القدم» في شعرنا العربيّ. تصنيف الفراهيدي للبحور رائع، لكن طريقة معرفتها بالتقطيع غلط وجناية ذوقيّة. الحل بسيط، وقد جرّبته مدارس عربيّة علّمت إيقاع الشعر بالبيانو أو بغيره.
لزوم ما يلزم: النتيجة التفهيميّة: حاول أن تقطّع ركض الجواد، هل تشعر بجمال إيقاع حوافره؟

عبد اللطيف الزبيدي

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى