قضايا ودراسات

تكلفة باهظة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

إيان بِغ*
مع أن التقديرات حول فاتورة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تتفاوت بدرجة كبيرة، إلاّ أنها قد تبلغ عشرات المليارات.
هل ستكون التكلفة 60 مليار يورو؟ مئة مليار؟ أم لا شيء أبداً؟ كما هي الحال في كثير من الأحيان، عندما يتعلق الأمر بالمال، أصبح الخطاب حول فاتورة «الطلاق» المتوقعة، لانفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي خبيثاً بوجه خاص، على الرغم من عدم تقديم أي طلب رسمي من جانب الاتحاد الأوروبي حتى الآن. وبالمثل، لم تقدّم المملكة المتحدة بعدُ عرضاً افتتاحياً.
وليس الموقف القانوني بالوضوح الذي يؤكده زعماء القضية. وقد سببت اللجنة الأوروبية في مجلس اللوردات بلبلة بالقول إن المملكة المتحدة يمكن أن تمضي دون التزام من أي نوع، وهو حكم رحبت به الحكومة. وتأخذ المشورة القانونية لمؤسسات الاتحاد الأوروبي وجهة نظر معاكسة. وليس أي من الرأيين المتطرفين بذي أهمية كبيرة، ما لم تسفر المفاوضات عن خروج عدائي لا ينتهي حول مائدة المفاوضات، بل في المحاكم.
وهنالك العديد من العناصر التي تدخل في تكوين فاتورة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من أنها معقدة وغير مرتبة، فإنها تتلخص في حفنة من العناصر المتمايزة في مفاهيمهما.
الأول، هو الالتزامات التي قدّمها الاتحاد الأوروبي بالفعل، أو التي ينبغي أن يقدمها قبل تاريخ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، والمعروفة في كلام بروكسل بالأمور التي «لا يزال يتعين تسويتها». وتنشأ هذه الالتزامات لأن العديد من برامج الاتحاد الأوروبي، وخاصة في مجال البحوث والتنمية الإقليمية، هي برامج متعددة السنوات. وفي العادة تتلقى المشروعات نسبة من الأموال اللازمة لها في البداية، ولكنها لن تتلق الدفعة الأخيرة إلاّ عند اكتمال المشروع. وعلى سبيل المثال، يمكن أن يكون هنالك تمويل لطرق مواصلات جديدة تستغرق عدة سنوات لبنائها، وعقودها موقعة عام 2017، ولكنها تختتم في عام 2021.
والثاني هو حقيقة أن ميزانية الاتحاد الأوروبي تحدد في إطار مدته سبع سنوات يستمر من عام 2014 إلى نهاية عام 2020، مع الاتفاق على بنود الإنفاق العامة في لائحة المجلس التي يرجع تاريخها إلى عام 2013. وهذا عمل قانوني، تمت الموافقة عليه من قِبل هيئتي الاتحاد الأوروبي التشريعيتيْن- وهما مجلس الوزراء (بما في ذلك المملكة المتحدة) والبرلمان الأوروبي. ويرى البعض من جانب الاتحاد الأوروبي، وخاصة المتلقّين الصافين من الميزانية، أن المملكة المتحدة مسؤولة قانونياً عن السنوات السبع بكاملها، بصرف النظر عن الوقت الذي يحصل فيه الخروج. وعلى فرض أن الخروج قد اكتمل بنهاية مارس/ آذار 2019، فإن ذلك يعني ضمناً أن المملكة المتحدة لا يزال يتعين عليها أن تدفع حصتها عن الأرباع السبعة الباقية، أي من إبريل/ نيسان 2019، حتى نهاية عام 2020.
والعنصر الثالث هو الالتزامات الأطول أجلاً، ولا سيّما المعاشات التقاعدية لموظفي مؤسسات الاتحاد الأوروبي الذين يتقاعدون بينما لا تزال المملكة المتحدة عضواً في الاتحاد، ونسبة منهم مواطنون بريطانيون. وفي حسابات الاتحاد الأوروبي هنالك رقم لأموال معاشات التقاعد الضمنية اللازمة لدفع المعاشات التقاعدية في المستقبل، وستكون إحدى الإمكانيات أن تشتري المملكة المتحدة حصتها من تلك الأموال.
والعنصر الرابع، هو أن بعض الأموال، التي لا يزال يتعين تسويتها، وبرامج الاتحاد الأوروبي المستقبلية ومعاشات التقاعد، ستكون- إذا لم يحدث الخروج- قد أنفقت في المملكة المتحدة. وقد بلغ إنفاق الاتحاد الأوروبي في بريطانيا حوالي 7 مليارات يورو في العام في الآونة الأخيرة، وسيؤدي خصم هذه المدفوعات إلى خفض الفاتورة بدرجة كبيرة.
والدراسة الأشمل التي نُشرت حتى الآن من قِبل باحثين في مركز بروغل للدراسات، تُظهر مدى واسعاً من التقديرات المحتملة. ووفقاً لمؤلفي الدراسة، يمكن أن تكون الفاتورة بين 25.4 مليار يورو و65.1 مليار يورو، ويعتمد ذلك على السيناريو. ويشيرون أيضاً إلى أن المملكة المتحدة قد يُطلب منها أن تدفع في وقت مبكر، ولا تتسلم بعض «المال المستردّ» إلاّ لاحقاً، على الرغم من أنه من الصعب اعتبار مثل هذا التأجيل نتيجة تحظى بمصداقية سياسية.
وأحد الأسباب التي تجعل هذا الموضوع أمراً شائكاً، هو أن المملكة المتحدة إذا لم تدفع، فلا بُدّ من دفع التكاليف من قِبل طرف آخر. وبالنسبة للألمان، الذين يتأهبون لانتخابات صعبة، ستكون المسألة حساسة بوجه خاص.
فما المبلغ الذي سيكون معقولاً إذن؟ لا أحد يعرف على وجه اليقين- أنه في نهاية المطاف، تفاوض على عدة جبهات، ويجب أن نتوقع أن نتيجة مرضية بشأن المال، سوف تؤثر في الأبعاد الأخرى، مثل نوعية صفقة تجارية. وأفضل تخمين؟ مبلغ يحوم حول علامة 30 مليار يورو.

* زميل مشارك في برنامج أوروبا في المعهد الملكي للشؤون الدولية (البريطاني)موقع: «تشاتام هاوس»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى