قضايا ودراسات

تواصل أم قطيعة؟

خيري منصور
لكل اختراع علمي وجهان أو حدّان، ولابد لكل تطور مدني أن يكون مصحوباً بما يسمى الأعراض الجانبية، فالجريمة تستفيد من تحديث الأسلحة والتقنيات، وكذلك التعذيب على النحو الذي تحدث عنه بإسهاب وعمق ميشيل فوكو، وما أنجز تكنولوجياً على صعيد التواصل الاجتماعي لم يكن خارج هذا المدار، وهناك الآن من يشكون من القطيعة حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، إذ يكفي مشهد عشوائي لتجسيد هذا الوضع.
وهو انصراف أعضاء الأسرة الواحدة من مختلف الأجيال عن الحوار أو الإصغاء لبعضهم، لأن كل واحد منهم تسمرت عيناه وأصابعه على جهاز الكمبيوتر أو الهاتف الذي احتضنه، وأطرف تعليق على القطيعة الاجتماعية في ذروة التواصل التكنولوجي قدمه صحفي فرنسي حين قال.. «إن كل اثنين يجلسان على مقهى يصبحان أربعة، لأن كلاً منهما أدار ظهره للآخر وأخذ يتحدث بالهاتف مع شخص ثالث!
وتبعاً لهذه المتوالية فإن كل أربعة يصبحون ثمانية.. مادام هناك أشخاص غائبون يتم استحضارهم افتراضياً عبر الجهاز.
وما يطرح في الندوات المكرسة لهذه الظاهرة يستحق التأمل مطولاً، خصوصاً حين نصغي إلى شهادات حية يقدمها آباء وأمهات تتلخص في أن الفجوة اتسعت وتعمقت ليس فقط بين جيلين أو ثلاثة، وهم الجد والابن والحفيد، بل بين أبناء الجيل الواحد، لأن المشترك بين هؤلاء آخذ في الانحسار، والتعايش بينهم لا يتجاوز ضرورات الحياة اليومية ومتطلبات العيش.
وقبل أن تصل تكنولوجيا التواصل إلى هذا المستوى بعقود، كان بعض الكتاب خصوصاً في أمريكا يشكون من الوحدة ومنهم ويليام سارويان الذي كتب قصة طريفة عن حياته في غرفة مغلقة داخل ناطحة سحاب، وقال فيها إن شريكه الوحيد في الغرفة هو علبة إسبرين!
فإلى متى سيستمر هذا الحوار بين وجود واقعي من لحم ودم وبين وجود افتراضي من صورة وهواء وكلام؟ ولأي طرف منهما سوف يحسم الأمر؟
إن المفارقة تكمن في أن زمن ما قبل الإنترنت كان التواصل فيه حميماً، بدءاً من الحمام الزاجل حتى الرسائل الملونة المكتوبة باليد، لكن القطيعة الآن تحدث بفضل فائض التواصل!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى