قضايا ودراسات

تونس.. وعصر الفاسدين

مفتاح شعيب
الحرب المباغتة التي تشنها السلطات التونسية على بارونات الفساد بدأت تؤتي أكلها سريعاً، إذ انقلب سخط بعض الأوساط السياسية والشعبية على حكومة يوسف الشاهد إلى ارتياح، كما بدأت بعض التحركات الاحتجاجية والاعتصامات في مناطق متفرقة تتفكك ذاتياً، لتبين مدى حاجة التونسيين إلى إجراءات شجاعة تتصدى لنهب موارد البلاد وتقطع أيادي العابثين.
الشعب التونسي بمختلف فئاته يعرف أن الفساد هو أكبر معضلة تواجهه منذ أواسط التسعينيات. وبعد ثورة الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي اتسع نطاق الظاهرة بدل أن ينحسر، فأصبحت الأزمة عنقودية وتشابكت فيها معطيات عديدة، ولأنها تمس الاقتصاد وشريان الحياة، فقد عطلت كثيراً من المسارات، ومثلما أصابت المشهد السياسي بالانتهازية والمحسوبية، ضربت أمن الدولة في العمق من خلال التحالف الوثيق بين الجماعات الإرهابية وعصابات التهريب بمختلف أنواعها، ويبدو أن السلطات التونسية تمتلك من الأدلة ما مكنها بسرعة من الإغارة على العشرات من رموز الفساد في أنحاء البلاد واقتيادهم إلى السجون، ومما يؤكد أن الاتهامات ليست مجرد شبهات بالتهرب من الضرائب أو التحايل على القانون، تم تحويل بعض كبار الموقوفين إلى القضاء العسكري، في واحدة من السوابق العدلية في تونس، ولكنها تؤكد أن الأزمة قد تجاوزت حدود الصبر ولم يعد من خيار أمام الدولة غير الحزم في حماية أمنها والانتصار لواجبها والدفاع عن شعبها بمختلف أنواع الإجراءات.
هناك من التونسيين من يرجح أن هذه الحملة «مفتعلة» واتخذتها الحكومة مطية للخروج من الوضع المأزوم اجتماعياً في بعض المناطق، مع التذكير بأن حكومة الشاهد قد تعهدت لدى تسلمها مهامها الخريف الماضي بأن تحارب الفساد وتواجهه بشتى الوسائل، ولأن العملية معقدة فقد ظلت التعهدات تراوح مكانها، رغم أن الشواهد على الفساد وجرأة الفاسدين على الدولة لم تعد خافية. ويبدو أن الأحداث الأخيرة في ولاية تطاوين جنوبي البلاد قد وهبت الدولة الأدلة القاضية على تورط جماعات الفساد بعدما تبين تمويل الفوضى والتشجيع على الإساءة على مؤسسات الدولة، وخصوصاً التحريض على المؤسسة العسكرية التي تسلّمت مهمة المناطق الحدودية خصوصاً في المثلث الحدودي المتاخم للجزائر وليبيا. ويبدو أن تسلّم الجيش للمنطقة قد حرم عصابات التهريب من فضاء نموذجي للتجارة الموازية في كل المحظورات. ولو يقيض للقضاء أن ينشر نتائج التحقيقات مع المتهمين، فسوف يكتشف التونسيون قصصاً عجيبة عن حجم التآمر الذي يتورط فيه الفساد، والضرر الذي لحق بمناعة البلاد خصوصاً على الجوانب الاقتصادية والأمنية.
من المؤكد أن ما أقدمت عليه الحكومة التونسية خطوة شجاعة وجاءت في وقتها، ونجاحها الطويل المدى يتطلب الحفاظ على المصداقية والنزاهة وضرب جميع الفاسدين مهما كانت مناصبهم، فهذا العمل يجب أن يستمر حتى يتم إنهاء عصر الفاسدين الذي انتعش في السنوات الأخيرة وبنى دولة موازية للدولة، ورغم أن المهمة صعبة وقد يكون لها ثمن، إلا أنها ضرورة في هذه المرحلة لإعادة الطمأنينة إلى نفوس الموطنيين واستعادة الثقة في الدولة.
chouaibmeftah@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى