قضايا ودراسات

تيريزا ماي أمام عواصف جديدة

د. عمر عبد العزيز
ما ذهبنا إليه قبيل نتائج الانتخابات البرلمانية البريطانية، تأكد من خلال تلك النتائج التي حرمت رئيسة الوزراء تيريزا ماي من الأغلبية المريحة في مجلس العموم البريطاني، وبالمقابل تعززت مكانة حزب العمال، من خلال المقاعد الجديدة التي كسبها عطفاً على مزاج الناخب البريطاني الذي ضاق ذرعاً بالإجراءات الاقتصادية والاجتماعية للمحافظين، والوعود الزلزالية بالمزيد منها، وخاصة في حقل الرعاية الاجتماعية للمسنين والأطفال والعجزة. وكانت تيريزا ماي قد صرحت بأن الدولة ستتخلى عن الرعاية المتميزة لكبار السن، والذين عليهم بيع منازلهم إن كانوا لا يمتلكون المال الكافي!!، كما وعدت بإلغاء الوجبات المجانية في المدارس العامة، حتى أن المواطنين البريطانيين استشعروا بأنهم على أعتاب عهد جديد تزداد فيه الوحشية الاجتماعية، الناجمة عن منطق النماء الرأسمالي المتخلي عن القواعد البريطانية التاريخية في الرعاية العامة للأقل حظاً في المجتمع المالي والاستثماري.
بالمقابل انبرى حزب العمال بقيادة جيرمي كوربن بخطاب أعاد إلى الأذهان مجد المسؤولية العامة للدولة تجاه المجتمع، فكانت النتيجة تزايد حظه في المقاعد البرلمانية المضافة له ولحلفائه، الأمر الذي أفقد ماي فرصة تشكيل حكومة ائتلافية واسعة وألزمها بحكومة أقلية ملغومة باصطفاف برلماني غير مريح لها ولحكومتها، وهو ما بدت ملامحه الكئيبة منذ اللحظات الأولى التي تلت الانتخابات.. حينها افترض البعض استقالة رئيسة الوزراء، لكنها لم تفعل بل ضحت باثنين من كبار مستشاريها، حيث قدما استقالة ناجزة، تاركين ماي في مهب استحقاقات عاصفة، ابتداء من مفاوضات ترتيب آلية الخروج من الاتحاد الأوربي وبأقل قدر من الخسائر، مروراً بالوعود الانتخابية بإنجاز تنمية متسارعة، ووصولاً إلى مجابهة النزعات الانفصالية من خلال تطوير نظام الأفضليات والميزات التي نجح فيها العماليون قبل حين.
التباعد الإجرائي عن المكون التاريخي للقارة العجوز من قبل المحافظين يومئ إلى تقارب أكبر مع الولايات المتحدة، والتسليم المغامر في السباحة معها.
هذا الخيار الأخير سيضع المحافظين البريطانيين في مغامرة عاتية، لا تتناسب بحال من الأحوال مع الرصانة البريطانية الموروثة من عهود الإمبراطورية، وخبرة التعامل الأفقي مع العالم، ومراكز الدراسات والعقول الأكثر حصافة ودراية بأحوال العالم.
ومهما يكن من أمر، فإن بريطانيا الحاملة لأكثر الديمقراطيات الدولية توازناً وحيوية، لا تعد بأقل من النجاح المقرون بالتفافات أفقيه ورأسية تعيد بوصلة الضبط العاقل لكامل التحديات الماثلة أمامها، ولا أدل على ذلك من تلك المسافة الهادئة التي تفصل الدبلوماسية البريطانية عن التداعي الحر مع الأزمات الدولية الماثلة.
الأيام والأسابيع المقبلة ستضع حزب المحافظين أمام أقسى اختبار منذ أن عرف هذا الحزب بوصفه الكفة الثانية المرجحة «لبيضة القبان» في المعادلتين السياسية والمجتمعية.

omaraziz105@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى