قضايا ودراسات

ثنائية الشرق والغرب

خيري منصور

عبر إدوارد سعيد في كتابه «الاستشراق» عن واحدة من أعقد القضايا الإشكالية في التاريخ، وهي علاقة الشرق بالغرب بجملة مكثفة هي أن الشرق بدعة الغرب، وليس معنى ذلك أن الغرب هو الذي صنع الشرق تاريخياً وحضارياً، بل هو الذي أعاد إنتاجه بأدواته ومناهجه ورؤاه ومصالحه أيضاً كي يلبي هذه المطالب. وبالفعل كانت كتابات المستشرقين باستثناءات قليلة تقدم للغرب شرقاً مصنوعاً ومطرزاً بالسحر والأساطير، رغم أن شعوب هذا الشرق شأن شعوب العالم كلها، تحاصرها شروط بيئية وعقائدية وثقافية واقتصادية، لكن ما اجتذب طلائع الرحالة والمستشرقين إلى الأراضي الدافئة والسماوات الزرقاء لم يكن الشرق بدلالاته الفكرية والحضارية، وهذا ما جسده الكاتب الألماني هرمان هيسه في كتابه «رحلة إلى الشرق»، فقد تصور أن هناك أربعة من الرحالة قطعوا المسافات الطويلة إلى الشرق ولكل منهم حلمه الخاص بدءاً من المال حتى السحر مروراً بما أشاعته مناخات ألف ليلة وليلة عندما تُرجمت إلى اللغات الأخرى. هكذا أصبح لكل غربي شرقه، وبالتالي لكل قيس ليلاه التي يغني لها أو عليها!
بالمقابل كانت طلائع الشرقيين الذين توجهوا إلى الغرب مبكراً وبالتحديد في عهد محمد علي باشا تبحث عن الغائب والمفقود في هذا الشرق، وحين نقرأ ما كتبه رفاعة الطهطاوي عن باريس تدهشنا ملاحظاته التي تبدو سياحية فقط، ومنها وجود الصحف والأدوات المستخدمة في تناول الطعام إضافة إلى العادات الاجتماعية والحريات الشخصية. فهل كان سوء التفاهم بين الشرق والغرب مبكراً، خصوصاً بعد أن لعبت الحروب الدينية دوراً في ذلك.
نذكر أن هناك صحفياً فرنسياً، قارن ذات يوم وأثناء حرب الخليج الثانية بين خطاب وجهه صدام حسين إلى الأمريكيين وبين خطاب جورج بوش الأب إلى العراقيين وتوصل إلى أن هناك درجة من سوء الفهم المتبادل، لأن الشرق لم يعد كله شرقاً بعد كل تلك القنوات من التواصل، وكذلك الغرب بعد أن أصبح يعيش فيه عشرات الملايين من الشرقيين! فهل كان الشرق بدعة الغرب أم أن هذه البدعة كانت ولاتزال مزدوجة؟

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى