قضايا ودراسات

جبنة دبلوماسية

خيري منصور
ينسب إلى ديغول أنه قال: من تتعدد أمزجة الناس في بلاده بحيث يأكلون أكثر من ثلاثمئة صنف من الجبنة يصعب عليه الحكم. والجبنة الدبلوماسية ليس صنفاً من هذه العائلة البيضاء، إنها كلمة «تشيز» بالإنجليزية والتي يتعلم من خلالها الدبلوماسي المحترف أن يبتسم بمعزل عن عواطفه وانفعالاته.
حتى في التصوير الفوتوغرافي كان المصور البريطاني يطلب من زبائنه أن يقولوا «تشيز» بالإنجليزية كي تبدو الابتسامة على وجوههم، وأذكر أن الشاعر الراحل نزار قباني والذي عمل دبلوماسياً في مدريد وبكين والقاهرة قرر الاستقالة من هذه المهنة التي اسمها «تشيز»، وقال إن الشعر والسياسة لا يتعايشان، لأن الصدق والكذب أشبه بكرة ثلج وجمرة لا يمكن لهما أن يجتمعا في يد واحدة، اللهم إلا إذا أذابت جمرة الشعر الملتهبة كرة الجليد السياسية.
والابتسامة ليست شيئاً عابراً، لأنها نافذة على قلب الإنسان وقد مكث ليوناردو دافنشي أكثر من أربع سنوات وهو يرسم ابتسامة الموناليزا الغامضة، أما شاعرنا المتنبي فقد حذر الناس من الخلط بين ابتسامة الليث وإبرازه لنواجذه استعداداً للهجوم!
وفي عالمنا اليوم لم تعد الجبنة الدبلوماسية حكراً على المشتغلين في هذا الحقل، فرجال الأعمال يمارسونها باعتبارها من متطلبات عملهم والباعة أيضاً يبتسمون لزبائنهم لكن بلا أي تعبير أو انفعال، ومن أطلقوا على الإنسان ذات يوم تعريفاً يميزه عن بقية الكائنات وهو حيوان ضاحك تراجعوا الآن عن هذا التعريف، ومنهم من اقترح تعريف الإنسان بأنه حيوان خجول ثم اتضح أن هناك حيوانات تعرف الخجل كالبعير والحصان!
لهذا استمر تعريف أرسطو للإنسان بأنه حيوان سياسي، وأصبحت الابتسامة على طريقة الجبنة البيضاء من طقوس حياتنا اليومية، لكن أجدادنا العرب تنبهوا قبل غيرهم إلى أن هناك ابتسامة صفراء كاذبة مقابل ابتسامة دافئة وحقيقية، أما أغرب ما يمكن قوله عن الابتسامة فهي تلك التي كان ثمنها أكثر من مليون دولار، وقد دُفع هذا المبلغ لنجمة سينمائية مقابل ابتسامة صفراء للإعلان عن معجون أسنان!Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى