مقالات عامة

جذور التوتر بين أفغانستان وباكستان

محمد خليفة

إن تأكد ما نشرته الصحف الباكستانية نقلاً عن مسؤول باكستاني بأن قرابة 1.4 مليون لاجئ أفغاني قد يواجهون خطر الترحيل من باكستان؛ نتيجة مخاوف أمنية، فهذا القرار يأتي بالتزامن مع تصاعد التوترات بين إسلام أباد وواشنطن على خلفية تكرار الرئيس الأمريكي ترامب اتهامه لباكستان «بتوفير ملاذ آمن» للإرهابيين.

ولكن ما سبب هذا القرار؟ وهل يرتبط ذلك بموضوع التداخل السكاني لقبائل البشتون عبر الحدود، وما يتصل به من موضوع «طالبان»، والتطرف الذي يستشري في تلك المناطق؟.
الواقع أن البشتون يشكلون ظاهر المشكلة؛ لأن «طالبان» تنتمي إليهم، وهي التي تقف وراء العنف الذي يضرب أفغانستان منذ ظهور هذه الحركة عام 1992؛ لكن من دون شك فإن باكستان تستثمر هذا العنف؛ لتشغل به أفغانستان، وتحول دون استفاقتها، وعودتها لما كانت عليه قبل أن يحل بها ما حل منذ أن سقط الحكم الملكي في كابول .
وقد حاولت باكستان أن تحكم أفغانستان من خلال «طالبان»، ونجحت الحركة في السيطرة على معظم الأرض الأفغانية عام 1996؛ لكن تبنيها لتنظيم «القاعدة»، وانغماسها بالإرهاب أودى بها نحو الهاوية؛ حيث شنت الولايات المتحدة بعد أحداث سبتمبر/‏‏أيلول حرباً ضدها؛ لكن جذورها البشتونية ظلت تنجب المتطرفين حتى اليوم. فلا يكاد يمر يوم دون أن يقع عمل إرهابي في أرجاء أفغانستان يقوم به منتسبون ل«طالبان». وقد دفع هذا الوضع المأساوي بعض أعضاء البرلمان الأفغاني لمناقشة «ملف التدخلات الباكستانية في أفغانستان»، وقال النائب عبداللطيف بدرام، من عرقية الطاجيك بولاية بدخشان: «إن باكستان تتدخل في الشأن الأفغاني بحجة أن أفغانستان لم تعترف بالحدود الرسمية بين الدولتين». وتوجد مطالبات إقليمية بمناطق تمتد على طول الحدود الأفغانية الباكستانية إلى نهر السند، وكلها تضم ما يقرب من 60 في المئة من الأراضي الباكستانية. ويبلغ طول خط الحدود المعروف ب«خط ديوراند»، 2.640 كلم، وقد وضع عام 1893؛ نتيجة لاتفاقية وُقعت بين حكومة الهند البريطانية والأمير الأفغاني عبدالرحمن خان. وكان الغرض الأساسي من إصرار بريطانيا على الاتفاقية؛ هو إيجاد خط دفاعي أمام روسيا، التي كانت تعد أفغانستان منطقة عازلة بينها وبين الحكم البريطاني. ووفقاً لاتفاق «خط ديوراند»، تخلت أفغانستان عن عدد قليل من المقاطعات، بما فيها سوات وشيترال وشاجيه، على الرغم من أنها اكتسبت مناطق أخرى لم تسيطر عليها تاريخياً مثل، نورستان وأسمار.
وبعد تأسيس باكستان، طالبت أفغانستان بأن يمنح الباشتون، الذين يعيشون على الجانب الباكستاني من «خط ديوراند» الحق في تقرير المصير. وقد رفضت باكستان وبريطانيا هذا الأمر، ورداً على ذلك بدأت الحكومة الأفغانية في تجاهل «خط ديوراند»، وراحت تؤكد بدلاً من ذلك على مطالباتها بالأراضي التي تقع بين الخط ونهر السند؛ ونتيجة لذلك، أصبحت العلاقات مع باكستان متوترة، وهذا بدوره أثر في العلاقات الأمريكية- الأفغانية في الخمسينات والستينات. وعندما حصلت باكستان على صفقة أسلحة من الولايات المتحدة، أدركت أفغانستان أن توازن القوى قد تحول لمصلحة باكستان. ومن ثم، فقد اتصلت هي أيضاً بالولايات المتحدة لطلب المساعدة العسكرية؛ لكن الجانب الأمريكي طالب أفغانستان بتحسين علاقاتها مع باكستان، والانضمام إلى منظمة المعاهدة المركزية التي تعد باكستان عضواً مؤسساً فيها؛ لاحتواء الاتحاد السوفييتي؛ ونظراً لموقعها على الحدود السوفييتية، فقد رفضت أفغانستان الانخراط في تلك المعاهدة؛ بل اتصلت بالسوفييت، وتشير التقديرات إلى أن الاتحاد السوفييتي قدم لأفغانستان ما قيمته 2.5 مليار دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية.
وكان الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف قد أثار مشكلة الحدود، عندما عرض إقامة سور فاصل بين باكستان وأفغانستان؛ لمنع المسلحين من التسلل عبر الحدود، وهو العرض الذي دفع السلطات الأفغانية إلى مطالبة باكستان بضرورة الاتفاق أولاً على ترسيم الحدود بين البلدين قبل إقامة مثل هذا السور. ولا تزال مشكلة الحدود تقف حجر عثرة أمام بناء علاقات متوازنة بين الدولتين.

med_khalifaa@hotmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى