قضايا ودراسات

جيش أوروبي مستقل

فيصل عابدون

تتباين التقديرات حول المساعي الأوروبية الحثيثة لإنشاء قوة عسكرية موحدة، وتضع بعض التقديرات الطموحات العسكرية الأوروبية في خانة المناورة، لتقليل الأموال التي تنفقها القارة الأوروبية على حلف الناتو الذي يضم أعضاء من خارج القارة وتتحكم به السياسة الأمريكية، لكن وجهات نظر أخرى تعتبر أن الجيش الأوروبي الموحد هدف استراتيجي تسعى إليه دول أوروبا الكبرى، وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا لتوفير مظلة عسكرية مستقلة، تحمي مصالح القارة وحدودها في عالم يشهد تحولات كبرى وتتهدّده المخاطر.
وبرزت فكرة إنشاء جيش خاص بالاتحاد الأوروبي في تسعينات القرن الماضي بعد تفكك يوغسلافيا، وعادت إلى الظهور ثانية عام 2015، عندما أعلن رئيس المفوضية الأوروبية جان- كلود يونكر، حاجة أوروبا إلى جيش خاص بها، كتلميح إلى روسيا بأن القارة العجوز ستبذل كل ما في وسعها لحماية حدودها ومصالحها. وفي مطلع العام الحالي كشفت وسائل إعلام أوروبية أن ألمانيا تسعى للضغط باتجاه تشكيل «جيش أوروبي»، وإنشاء مقار عسكرية مشتركة، تضع الجيوش الأوروبية الوطنية تحت إمرة غرفة عمليات مشتركة في بروكسل.
وبحسب ما كشفت عنه التطورات اللاحقة، فإن وجهة النظر التي تعزز فكرة الهدف الاستراتيجي من إنشاء القوة الأوروبية هي التي تفوز. ففي منتصف الأسبوع الحالي وقّع وزراء دفاع فرنسا وألمانيا مع 21 دولة من دول الاتحاد الأوروبي، إشعاراً بعزمهم إقامة «التعاون الهيكلي الدائم» في الأمن والدفاع (بيسكو)، والذي يتيح للدول التعاون بشكل أوثق لبناء القدرات العسكرية. وتفتح المعاهدة الباب أمام تقدّم تلك الدول لتحقيق طموحها في إنشاء جيش أوروبي موحد ومستقل.
وتضم الاتفاقية كل حكومات الاتحاد الأوروبي باستثناء بريطانيا التي ستغادر التكتل والدنمارك التي آثرت الابتعاد عن الشؤون الدفاعية، وكذلك أيرلندا والبرتغال ومالطا. ووصف زيجمار جابرييل وزير خارجية ألمانيا الخطوة بأنها تاريخية ولحظة فارقة في التطور الأوروبي. وقالت وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين، إنه من المهم أن تبدأ أوروبا في الوقوف على قدميها عندما يتعلّق الأمر بالأمن والدفاع، وأضافت: «إذا وقعت أزمة في منطقتنا، يتعين أن يكون لدينا القدرة على التحرّك».
من جانبها اعتبرت الممثلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي موغيريني، أن الأداة الجديدة «تسمح بتطوير مزيد من قدراتنا العسكرية لتعزيز استقلالنا الاستراتيجي». وأوضحت أن أكثر من خمسين مشروعاً للتعاون العسكري طرحت على الطاولة، ومن بينها تطوير صناعات حربية تشمل الدبابات والطائرات من دون طيار وأقمار التجسس الاصطناعية وطائرات النقل العسكري.
إن جيش أوروبا يقترب من التحقق واقعاً على الأرض، رغم النفور الأمريكي والحذر الروسي. ومع ازدياد مظاهر العسكرة وتعاظم التهديدات في عالم اليوم، فإن أوروبا تصبح أكثر تمسكاً بمظلتها الأمنية الخاصة.

shiraz982003@yahoo.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى