قضايا ودراسات

حادثة بورتلاند

فيصل عابدون
من بين عشرات الحوادث الإرهابية التي شهدها العالم خلال الأسابيع الماضية، تبقى حادثة بورتلاند الأعمق في دلالاتها، على الرغم من الإهمال الإعلامي وتجاهل القادة السياسيين، وعلى الرغم من مأساوية الخسارة البشرية التي رافقتها.
وفي ملابسات الحادث أن مواطنين أمريكيين فقدا حياتهما وأصيب ثالث بجروح في محاولتهم حماية امرأتين مسلمتين تعرضتا لحملة إهانات وشتائم من متطرف عنصري أعمته مشاعر الحقد والكراهية في مترو مدينة بورتلاند.
والقتيل الأول هو ريكي جون، أب لأربعة أطفال وجندي متقاعد عمل في العراق وأفغانستان، وتزامنت وفاته مع ذكرى تكريم الجنود الذين قتلوا في ساحات المعارك. أما القتيل الثاني تاليسين نامكاي ميشي، فهو شاب حديث التخرج عمره 23 عاماً ويصغره بعامين، ميكا فيشر، الشاب الثالث الذي يتلقى العلاج في المستشفى.
والحادثة تتشابه في بعض تفاصيلها مع قيام طلاب مسلمين بإحدى قرى نيجيريا، بحماية زميل مسيحي وعائلته في مواجهة هجوم مجموعة متطرفة.
مدينة بورتلاند احتفلت بتضحية الرجال الثلاثة وسمّتهم أبطالها. وقال رئيس بلدية بورتلاند تيد ويلر «لقد فقد هذان الرجلان حياتهما وأصيب ثالث بجروح، لأنهم قاموا بما يترتب عليهم القيام به، ودافعوا عن شخصين لا يعرفونهما بوجه الكراهية». وارتفعت أصوات كثيرة تطالب باعتبار الجريمة عملاً إرهابياً، لكن الشرطة لا تزال مترددة في إطلاق الصفة على القاتل.
وأعلنت الشرطة أن القاتل جيريمي جوزيف كريستيان ويبلغ من العمر 35 عاماً، يدور في فلك مجموعة عنصرية تؤمن بتفوق العرق الأبيض، لكن تلك المجموعة، وفي ظل تعاظم الشعور الشعبي المناهض، سارعت للتنديد بالجريمة ونفي انتماء القاتل إليها.
والحادثة على أهميتها وجدت تجاهلاً غير مبرر من قادة المؤسسة السياسية الأمريكية. وانتظر الرئيس دونالد ترامب ثلاثة أيام قبل أن يصدر بياناً حولها ووصفها في تغريدة بأنها «غير مقبولة»، وقال إن الضحيتين قدّما حياتهما في مواجهة ضد الكراهية والتعصب. واشتكى كثيرون من أن بيان الرئيس لم يمض إلى حد إدانة الجريمة ودوافعها.
أما جوانب الإهمال الإعلامي في هذه الحادثة فيمكن تلخيصها في عدم التركيز والإشارة وتسليط الضوء على قوة الروابط الإنسانية ورسوخ قيم التسامح التي أظهرها أبطال هذه الحادثة الثلاثة، باعتبارهم رجالاً يدافعون عن قيم إنسانية مشتركة، ترفض العنف وامتهان الكرامة والتعدي على أبرياء من دون مسوغات أخلاقية.
ومن أهم الدلالات التي كرّستها الحادثة وتضحيات أبطالها، أن الإرهاب لا دين له. وأن الشجاعة والنبل والأخلاق هي قيم الإنسان السوي أينما كان بلده، والدلالة الأهم أن مجتمعاتنا لا تزال بخير وعافية ولم تؤثر فيها إلا قليلاً، تيارات التطرف والعنف الطارئة عليها.

Shiraz982003@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى