قضايا ودراسات

حدود الحماية القانونية للمرأة والطفل

د.إدريس لكريني
يعد تمكين المرأة وتعزيز حمايتها في مواجهة مختلف المخاطر والإكراهات، مدخلاً مهماً لمعالجة إشكالات ومعضلات سياسية واجتماعية واقتصادية كبرى داخل المجتمع. ونفس الأمر ينطبق على حماية حقوق الطفل باعتباره عنواناً للمستقبل وأساساً لكل تنمية إنسانية مستدامة.
لا تتوقّف هذه الحماية على مقتضيات الدساتير والتشريعات المحلية، بل تتجاوزها إلى مختلف المواثيق والقوانين الدولية.. فبالنسبة للمرأة، جاء العديد من الاتفاقيات والمعاهدات ليترجم الاهتمام الدولي بهذا الموضوع من قبيل الاتفاقية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979، وبرنامج عمل «بكين» الصادر عن المؤتمر العالمي حول المرأة المنعقد بالصين سنة 1995 والذي صادقت عليه 189 دولة.
كما أضحى الاهتمام بالمرأة ومنحها المكانة اللائقة بها داخل المجتمع، أحد أبرز المؤشرات لتقييم مستوى تقدم وتطور الدول ضمن تقارير التنمية البشرية، فالتأسيس للممارسة الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان وتحقيق التنمية الحقيقية كلها رهانات لا يمكن كسبها دون استحضار المرأة كشريك رئيسي في هذا الشأن.
وتكتسي حقوق الطفل أهمية كبرى بالنظر إلى ارتباطها بفئة اجتماعية مستضعفة تعتبر ركيزة أساسية لمستقبل المجتمع، وتظلّ بحاجة مستمرة إلى من يساندها ويتحدث عنها ويهتم بشؤونها، ومن هذا المنطلق واعتباراً لشمولية حقوق الإنسان، فاحترام حقوق الطفل والدفاع عنها هو في أحد جوانبه ضمانة أساسية لدعم احترام حقوق الإنسان لدى أجيال المستقبل.
فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتُمد بموجب قرار الجمعية العامة 217 في دورتها الثالثة بتاريخ ديسمبر/كانون الأول 1948؛ نص في الفقرة الثانية من مادته رقم 25 على أنه «للأمومة والطفولة حقّ في رعاية ومساعدة خاصّتين. ولجميع الأطفال حقّ التمتّع بذات الحماية الاجتماعية سواء وُلِدوا في إطار الزواج أو خارج هذا الإطار».
فيما تؤكد الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لعام 1989 في الفقرة الثانية والثالثة من المادة الثالثة على أنه: «.. تتعهد الدول الأطراف بأن تضمن للطفل الحماية والرعاية اللازمتين لرفاهه، وتكفل أن تتقيد المؤسسات والإدارات والمرافق المسؤولة عن رعاية أو حماية الأطفال بالمعايير التي وضعتها السلطات المختصة ولا سيما في مجال السلامة والصحة».
اعتباراً لشمولية حقوق الإنسان؛ يعد احترام حقوق الطفل والمرأة والدفاع عنها ضمانة أساسية لدعم احترام حقوق الإنسان.
حرص المشرع المغربي على توفير الحماية للطفل، سواء على مستوى ضمان حقه في الحياة أو ضمان سلامته الجسدية أو تجريم إهماله أو تعرّضه لمختلف الأخطار.
أما فيما يتعلق بالحماية الجنائية للمرأة فالتشريعات تحميها كأنثى من الاغتصاب وهتك العرض. وتحميها كزوجة، من الاختطاف والتغرير بها. وكذلك تحميها كأمّ في حال قتل وليدها دون وجود نية القتل (عنصر تخفيف)، أو عند قتل الأم (عنصر تشديد)، كما تضمن هذه التشريعات أيضاً الحماية الجنائية للمرأة الحامل.
وفي هذا السياق، وبدعوة من كلية الحقوق بجامعة مدريد في إسبانيا، أتيحت لي الفرصة للمشاركة ضمن لجنة مناقشة أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الجنائي بنفس الكلية، تقدم بها الباحث المغربي إدريس جدي هوكيش في موضوع «الحماية الخاصة للمرأة والقاصر في القانون الجنائي المغربي والمقارن». نال على إثرها شهادة الدكتوراه بميزة حسن جداً.
سلّط الباحث الضوء على السياق العام للتشريع الجنائي المغربي وخلفياته التاريخية، والحماية الجنائية للمرأة في التشريع الجنائي المغربي، كما تناول بالدراسة والتحليل الحماية القانونية للقاصر في مواجهة مختلف المخاطر والتهديدات التي يمكن أن تواجهه من قبيل: التسوّل والاعتداءات والمتاجرة بالأطفال والاختطاف والإهمال والاستغلال الجنسي والاستغلال في الشغل، حيث تجاوز في ذلك المقاربات الوصفية إلى الغوص في مجمل الإشكالات، مع الالتفات إلى تجارب مقارنة في هذا الخصوص.
وأقرّ بالجهد الذي يبذله المشرع المغربي على مستوى توفير الحماية الجنائية للنساء والقاصرين وبتنوّع وشمولية هذه الحماية.. وفي مقابل ذلك رصد مجموعة من النواقص الواردة بالتشريع الجنائي على هذا المستوى والتي تؤثر بالسلب على نجاعة هذه الحماية، ودعا إلى تطوير هذه المنظومة لسدّ النقص الوارد في هذا الشأن، وتجاوز الطابع العمومي لبعض التشريعات في التعامل مع الجرائم المختلفة (التركيز على أنواع أخرى من العنف كالعنف المعنوي والإيذاء النفسي على سبيل المثال) بما يجعل هذه الحماية متوافقة مع التشريعات الحديثة للدول المتقدمة ومع مقتضيات الاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة.
كما أن الأطروحة وإن أكّدت على أهمية المقتضيات التي جاء بها دستور 2011 فيما يتعلق بدعم المساواة بين الرجل والمرأة، إلا أن الأمر – بحسب الباحث- يتطلب مجهودات وتدابير ميدانية على مستوى التشريع والسياسات العمومية. وتغيير العقليات بما يحيل إليه ذلك من دعم قنوات التنشئة الاجتماعية، وترسيخ ثقافة التبليغ عن الجرائم المرتكبة ضد الأطفال والقاصرين ونبذ العنف بكل أشكاله.

drisslagrini@yahoo.fr

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى