قضايا ودراسات

حديث الحرب الثالثة

فيصل عابدون

من السهولة بمكان، إدراج النقاش الدائر حالياً بشأن التهديد الأمريكي بالانسحاب من معاهدة الأسلحة الهجومية النووية، ضمن أحاديث الحرب العالمية الثالثة التي تكاد مناخاتها تكتمل في مشهد دولي شديد التعقيد، ومنغلق إلى حدود المأساة والكارثة.
فالإدارة الأمريكية التي اتهمت الجانب الروسي بانتهاك الاتفاقية الثنائية الموقعة بينهما، سرعان ما أدرجت الصين ضمن الدول التي تشكل تهديداً للولايات المتحدة، ولمحت لإطلاق سباق تسلح جديد، تضمن به تفوّق ترسانة الأسلحة الأمريكية متوسطة المدى، على نظيراتها في روسيا والصين.
وما يمكن ملاحظته بسهولة هنا، أن تهديد الإدارة الأمريكية لم يواجه أي مقاومة أو اعتراضات في الداخل الأمريكي، على عكس قرارات الإدارة في كثير من القضايا الدولية الأخرى، مما يكشف درجة عالية من الانسجام حول هذه السياسة بالتحديد. ويمكن تفسير هذا التوافق الداخلي، بالإحساس الحقيقي بالخطر من فقدان التفوق العسكري لصالح قوى معادية، واحتمال مواجهة الهزيمة حال نشوب حرب مفاجئة مع الخصوم.
أما الجانب الآخر من المعادلة، فقد بدا وكأنه كان يتوقع هذه الخطوة ويتحضّر لها، خاصة فيما يتعلق بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أظهر بروداً يقرب من الاستهانة بتهديد الرئيس دونالد ترامب، وعبّر خلال لقائه مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الذي يبحث المسألة في موسكو، عن دهشته من الخشونة الأمريكية التي تقابل مبادراته للحوار حول القضايا الاستراتيجية، ونزع السلاح والقضايا الإقليمية.
أما الصين وهي غير موقعة على الاتفاقية، فقد رفضت الزجّ بها في قضية لا تعنيها، أو الخضوع للغة الابتزاز والتهديد، مع تأكيد تمسكها بسياستها الدفاعية، ما يعني مُضيّها قدماً في برنامجها الخاص للتسلح العسكري، من دون الدخول في معاهدات الحد من التسلح.
ويشكل التسلح الصيني المتسارع هاجساً للإدارة الأمريكية، وتعتبره خطراً محتملاً ليس على وجودها في منطقة شرق آسيا فحسب؛ لكنه قد يمتد إلى الأراضي الأمريكية نفسها. وفي مطلع العام الحالي، كشفت وثيقة للبنتاجون، أن الصين تطور صواريخ عابرة، قادرة على حمل رؤوس نووية.
وفي التاريخ القريب، خاضت الصين حربين كبيرتين من وراء الستار ضد القوات الأمريكية في كوريا وفيتنام.
وفي مقابل الأقطاب الثلاثة، فإن الطرف الوحيد الذي شعر بالذعر من التلويح بقرار الانسحاب الأمريكي، واندلاع سباق جديد للتسلح، كان الدول الأوروبية التي تقع في منطقة تقاطع نيران الأطراف المتصارعة. وفي مدى التأثير المباشر للأسلحة العابرة الفتاكة، إذا تحوّلت المساجلات الكلامية الحالية إلى نزاع عسكري شامل.
وأوروبا، باستثناء بريطانيا الحليف التاريخي للولايات المتحدة، تشعر باقتراب الخطر واحتمال تحولها إلى مسرح للعمليات الحربية، إذا انزلقت الأمور باتجاه خاطئ.
فصناعتها الحربية لا تقارن بما عند الكبار، وهي مكشوفة أمام الهجمات الجوية أو عمليات الاجتياح البري، كما أن أساطيلها البحرية لن تقوى على المقاومة وصد الهجمات. ومن مفارقات القدر أن ألمانيا التي كانت الطرف الأقوى والأشد عدوانية في الحربين الأولى والثانية، تجد نفسها اليوم محاصرة مع جاراتها الأوروبيات، وسط منطقة القتل في الحرب القادمة.

shiraz982003@yahoo.com

زر الذهاب إلى الأعلى