حرب اليمن وسلامه
في الحالة اليمنية، لا تزال الكثير من القوى السياسية تحاول استثمار الأوضاع المأساوية في البلاد لمراكمة مصالحها، متناسية المعاناة التي يعانيها ملايين الناس من جراء الحرب الدائرة منذ أكثر من ست سنوات، فالحرب لم تتوقف منذ بدء الاحتجاجات التي عمت البلاد العام 2011 ضمن الموجة التي شهدتها دول عربية أخرى، وسمّيت مجازاً «ثورات الربيع العربي».
القوى السياسية، بخاصة تلك التي استولت على السلطة بقوة السلاح في الثلث الأخير من العام 2014، لم تلتزم بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد خلال الفترة الممتدة بين عامي 2013 و2014، إضافة إلى بنود المبادرة الخليجية التي كانت بمثابة تسوية سياسية خرج بموجبها الرئيس السابق علي عبدالله صالح من الحكم، وجيء بالرئيس الحالي عبدربه منصور هادي، رئيساً توافقياً.
في الأشهر الأخيرة زاد الانقلابيون من عنادهم برفضهم قبول الحلول المقترحة من قبل الأمم المتحدة لحل الأزمة المتفاقمة في البلاد، وأول مخرج كان تحييد ميناء الحديدة، الواقع في البحر الأحمر، حتى تتمكن المنظمة الأممية من إدارته، وبالتالي ضمان تدفق المساعدات الغذائية وتوزيعها على المناطق المنكوبة، وجني الضرائب لضمان صرف رواتب موظفي الدولة، المتوقفة منذ تسعة أشهر، إضافة إلى ضمان عدم وصول السلاح إلى الميناء واستخدامه في الحرب الدائرة في بؤر عسكرية عدة.
في المشهد العام الذي يعيشه اليمن هناك تزايد للمآسي الناتجة عن الحرب التي تتنقل من منطقة إلى أخرى، لكن أسوأها تلك التي تدور في مدينة تعز، جنوبي البلاد، ونهم، القريبة من العاصمة صنعاء، والجوف شمالاً، إضافة إلى ميدي، الواقعة غربي البلاد، حيث تحصد جبهات القتال المتعددة مئات الضحايا يومياً، وهو استنزاف للخزان البشري في اليمن.
وزاد من صورة المأساة انتشار وباء الكوليرا، حيث تؤكد المعطيات القادمة من اليمن أن ما يزيد على 1700 حالة وفاة تم تسجيلها في غضون شهرين، وهي أرقام مرشحة للتصاعد، بخاصة إذا ما أدركنا أن الحالات المسجلة كإصابة بالوباء تصل إلى ما يزيد على 300 ألف حالة، أغلبيتها من الأطفال وكبار السن.
من هنا تبدو التحركات الدولية، وبضمنها العربية، تدور في إطار بلورة رؤية موحدة حيال الأزمة في اليمن، وضرورة بذل جهود أكبر لتجنيب البلاد والعباد مخاطر استمرار المعارك والقتال إلى ما لا نهاية، كما يتمنى أمراء الحروب الذين استفادوا كثيراً من استمرارها خلال السنوات الماضية.
وجاءت جلسة مجلس الأمن الدولي التي عقدت حول اليمن، أول من أمس، والإحاطة التي قدمها إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ممثل الأمم المتحدة في اليمن لتؤكد جدية المخاطر التي يتعرض لها اليمن من جراء استمرار الحرب، وفي الوقت الذي أشاد فيها المندوب الأممي بتجاوب الحكومة مع الأفكار المطروحة بشأن خطط السلام؛ فإنه انتقد موقف الجماعات الانقلابية في الداخل التي لا تزال ترفض حتى الآن الاستجابة للدعوات الهادفة إلى وضع حد للحرب التي أكلت الأخضر واليابس في البلاد، وحولت اليمن السعيد إلى أرض لا تعرف إلا التعاسة والشقاء.
صادق ناشر
Sadeqnasher8@gmail.comOriginal Article