قضايا ودراسات

حروب أمريكية من دون استراتيجية دانيال ديفيس *

دانيال ديفيس
في منتصف يونيو/ حزيران، فوض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وزير الدفاع جيمس ماتيس سلطة تحديد عدد الجنود الإضافيين الذين ينبغي إرسالهم إلى أفغانستان. وأعلن البيت الأبيض أن ماتيس قرر إرسال 4000 جندي.
يقول ماتيس إن إرسال هذه التعزيزات سيساعد على إنهاء مأزق الحرب في أفغانستان. ولكنه مخطئ. فهذه التعزيزات لن يكون لها أي تأثير في نتيجة الحرب المستمرة منذ 16 سنة. والأهم من ذلك هو استمرار نهج مقلق في السياسة الخارجية الأمريكية، وهو أن عمليات الجيش الأمريكي ليست مرتبطة بهدف استراتيجي.
وما يذهل هو أنه قبل يوم من إعلان البيت الأبيض عن عدد الجنود الإضافيين الذين سيرسلون إلى أفغانستان، كان ماتيس قد أقر في شهادة أمام مجلس الشيوخ بأن الولايات المتحدة «تفتقر إلى استراتيجية، ونحن نعمل بصورة طارئة لبلورة استراتيجية».
وقد اتضح الآن أن المشكلة ليست عدد الجنود الذين ينبغي إرسالهم، وإنما هي واقع أن القوة العسكرية الأمريكية تستخدم من دون استراتيجية من أجل حل مشكلة سياسية. وما لم تصحح واشنطن هذا الخطأ الأساسي، فسيكون من المؤكد أن استخدام القوة العسكرية في الخارج سيفشل دائماً في محاولة تحقيق أهداف استراتيجية. دعوني أشرح لماذا.
طوال خدمتي العسكرية (على مدى 21 سنة حتى التقاعد في 2015)، خضت حروب مدرعات، وشاركت في عمليات مكافحة تمردات، وأديت واجبي كمدرب عسكري في بلدان أجنبية. كما أنني عملت في هيئات أركان على مستوى فرق عسكرية، وعملت أيضاً في البنتاغون (وزارة الدفاع). ومنذ تقاعدي، قمت برحلات متعددة إلى الشرق الأوسط بصفتي مدنياً. باختصار، شاركت وراقبت مختلف أنواع العمليات القتالية، وتابعت بلورة السياسات من أدنى المستويات إلى أعلاها.
ويمكنني القول بدرجة عالية من الثقة إن اعتماد واشنطن على القوة العسكرية من أجل حل مشكلات دولية لم يفعل سوى إضعاف أمننا القومي.
وكل شيء يقرأه أو يشاهده الأمريكيون يعزز فكرة أن القوات الأمريكية هي الأكثر قوة وقدرة وفتكاً في العالم، وهي تنجح في كل مكان ترسل إليه. غير أن الافتراض غير المعلن هو أن النجاح التكتيكي يعادل نجاحاً استراتيجياً. وحسب هذا التفكير، إذا كانت قواتنا تحقق مهماتها، فعندئذ لا بد أن يتحقق الهدف من نجاحها. ولكن هذا افتراض خاطئ.
إن «عمليات الحرية الثابتة» التي قاتلنا فيها الأعداء المتمردين في أفغانستان، والعراق، والفلبين، وأمريكا الوسطى وأماكن أخرى، كثيراًَ ما كانت تسفر عن مقتل جنود أمريكيين بانفجار عبوات مفخخة تزرع على جوانب طرقات، في حين أن القوات الأمريكية والأطلسية كانت تنتصر في 100 % من الحالات عندما كانت تخوض مواجهات مباشرة. وكل فريق تدريب أرسل لتدريب قوات أفغانية وعراقية أو قوات شرطة كان ينجح في تحسين قدرة تلك القوات. غير أن النجاح التكتيكي لا يمكنه تحقيق نجاح استراتيجي، لأن المشكلات التي تبتلى بها تلك البلدان هي مشكلات سياسية وليست عسكرية.
وكثيراً ما تعلن القيادات السياسية والعسكرية الأمريكية عن شن «حملات منظمة» من ضربات جوية تستهدف تدمير العدو، كما يحدث الآن في حملاتنا الجوية ضد تنظيم «داعش» في سوريا والعراق. ولكن مثل هذه «الحملات المنظمة» يمكن أن تقتل أعداداً كبيرة من المقاتلين الأعداء من دون أن تحقق شيئاً ذا قيمة استراتيجية.
وأبرز مثال على ذلك هو التعزيزات التي كانت ترسل إلى العراق وأفغانستان على مر السنين. ففي العراق، كانت هذه التعزيزات تحقق نجاحات باهرة على المستوى التكتيكي، ولكن ليس على المستوى السياسي. والأمر ذاته ينطبق على أفغانستان – حيث تمكنت حركة طالبان الآن من استعادة مناطق كثيرة كانت قد طردت منها. والقوة الجوية الأمريكية دمرت أيضاً النظام الليبي في 2011، ولكنها لم تستطع التأثير في الاضطرابات السياسية التي تلت ذلك. والآن، هذه البلدان الثلاثة غارقة في نزاعات أهلية مدمرة من دون بارقة أمل في حل قريب.
والعمليات العسكرية الجارية اليوم ضد «داعش» في الموصل والرقة ستواجه بالتأكيد المصير ذاته. فنحن لدينا القدرة على استخدام القوة العسكرية من أجل طرد «داعش» من كلتا المدينتين. غير أن نجاح هذه المهمات التكتيكية لن يكون له أي تأثير في ما سيحدث سياسياً عقب تحرير المدينتين.

* مقدم متقاعد أمريكي ومحلل في الشؤون الدفاعية – موقع «ذا أمريكان كونسرفاتيف»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى